التي فطر عليها خلقه ، وقد بيّنا بطلانه من أكثر من خمسين وجها في كتاب «المفتاح» (١) ، والمقصود أنه لما انضم القول به إلى القول بأنه سبحانه لا يحب شيئا ، ويبغض شيئا ، بل كلّ موجود فهو محبوب له ، وكل معدوم فهو مكروه له ، وانضم إلى هذين الآخرين إنكار الحكم والغايات المطلوبة في أفعاله سبحانه ، وأنه لا يفعل شيئا لمعنى البتة ، وانضم إلى ذلك إنكار الأسباب ، وأنه لا يفعل شيئا بشيء ، وإنكار القوى والطبائع والغرائز ، وأن تكون أسبابا أو يكون لها أثر ، انسدّ عليهم باب الصواب في مسائل القدر ، والتزموا لهذه الأصول الباطلة لوازم هي أظهر بطلانا وفسادا ، وهي من أدلّ شيء على فساد هذه الأصول وبطلانها ، فإنّ فساد اللازم من فساد ملزومه.
فإن قيل : الكراهة والمحبة ترجع إلى المنافرة والملائمة للطبع ، وذلك محال في حقّ من لا يوصف بطبع ولا منافرة ولا ملاءمة.
قيل : قد دلت النصوص التي لا تدفع على وصفه تعالى بالمحبة والكراهة ، فتبيينكم حقائق ما دلت عليه بالتعبير عنها بملاءمة الطبع ومنافرته باطل ، وهو كنفي كلّ مبطل حقائق أسمائه وصفاته بالتعبير عنها بعبارات اصطلاحية ، توصل بها إلى نفي ما وصف به نفسه ، كتسمية الجهمية المعطّلة صفاته أعراضا ، ثم توصّلوا بهذه التسمية إلى نفيها ، وسمّوا أفعاله القائمة به حوادث ، ثم توصلوا بهذه التسمية إلى نفيها ، وقالوا : لا تحله الحوادث ، كما قالت المعطلة : لا تقوم به الأعراض ، وسموا علوّه على خلقه واستواءه على عرشه وكونه قاهرا فوق عباده تحيّزا وتجسّما ، ثم توصلوا بنفي ذلك إلى نفي علوه عن خلقه واستوائه على عرشه ، وسموا ما أخبر به عن نفسه من
__________________
(١) انظر كتاب «مفتاح دار السعادة» بتحقيق عصام الحرستاني وحسان عبد المنان.