الوجه واليدين والأصبع جوارح وأعضاء ، ثم نفوا ما أثبته لنفسه بتسميتهم له بغير تلك الأسماء (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣)) [النجم].
فتوصّلوا بالتشبيه والتجسيم والتركيب والحوادث والأعراض والتحيز إلى تعطيل صفات كماله ونعوت جلاله وأفعاله ، وأخلوا تلك الأسماء من معانيها ، وعطّلوها من حقائقها ، فيقال لمن نفى محبته وكراهته ، لاستلزامهما ميل الطبع ونفرته : ما الفرق بينك وبين من نفى كونه مريدا؟ لاستلزام الإرادة حركة النفس إلى جلب ما ينفعها ، ودفع ما يضرها ، ونفى سمعه وبصره لاستلزام ذلك تأثّر السمع والبصر بالمسموع والمبصر ، وانطباع صورة المرئي في الرائي ، وحمل الهواء الصوت المسموع إلى أذن السامع ، من نفى علمه ، لاستلزامه انطباع صورة المعلوم في النفس الناطقة ، ونفى غضبه ورضاه ، لاستلزام ذلك حركة القلب وانفعاله بما يرد عليه من المؤلم والسار ، ونفى كلامه ، لاستلزام الكلام محلّا يقوم به ، ويظهر منه من شفة ولسان ولهوات.
ولما لم يمكن أحدا أقرّ بوجود رب العالمين طرد ذلك ، وقع في التناقض ، ولا بد ، فإنه أي شيء أثبته ، لزمه فيه ما التزم ، كمن أثبت ما نفاه هو من غير فرق البتة ، ولهذا قال الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة : لا نزيل عن الله صفة من صفاته ، لأجل شناعة المشنعين ، والمقصود : أنّا لا نجحد محبته تعالى لما يحبه ، وكراهته لما يكرهه ، لتسمية النفاة ذلك ملاءمة ومنافرة ، وينبغي التفطّن لهذا الموضع ، فإنه من أعظم أصول الضلال ، فلا نسمي العرش حيّزا ، ولا نسمي الاستواء تحيّزا ، ولا نسمي الصفات أعراضا ، ولا الأفعال حوادث ، ولا الوجه واليدين والأصابع جوارح وأعضاء ، ولا إثبات صفات كماله التي وصف بها نفسه تجسيما وتشبيها ، فنجني جنايتين عظيمتين ، جناية على اللفظ ، وجناية على المعنى ، فنبدّل الاسم ،