ونعطّل معناه. ونظير هذا تسمية خلقه سبحانه لأفعال عباده وقضائه السابق جبرا.
ولذلك أنكر أئمة السنة كالأوزاعي ، وسفيان الثوري ، وعبد الرحمن بن مهدي ، والإمام أحمد ، وغيرهم ، هذا اللفظ. قال الأوزاعي والزبيدي : ليس في الكتاب والسنة لفظ جبر ، وإنما جاءت السنة بلفظ الجبر كما في الصحيح ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قال لأشجّ عبد القيس : إن فيك خلقين يحبّهما الله : لحلم والأناة ، فقال : أخلقين تخلّقت بهما ، أم جبلت عليهما؟ فقال : «بل جبلت عليهما» فقال : الحمد لله الذي جبلني على ما يحبّ» (١).
فأخبر النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أن الله جبله على الحلم والأناة ، وهما من الأفعال الاختيارية ، وإن كانا خلقين قائمين بالعبد ، فإنّ من الأخلاق ما هو كسبيّ ، ومنها ما لا يدخل تحت الكسب ، والنوعان قد جبل الله العبد عليهما ، وهو سبحانه يحب ما جبل عبده عليه من محاسن الأخلاق ، ويكره ما جبله عليه من مساويها ، فكلاهما بجبله ، وهذا محبوب له ، وهذا مكروه ، كما أن جبريل صلوات الله عليه مخلوق له ، وإبليس عليه لعائن الله مخلوق له ، وجبريل محبوب له مصطفى عنده ، وإبليس أبغض خلقه إليه ، ومما يوضّح ذلك أنّ لفظ الجبر لفظ مجمل ، فإنه يقال : أجبر الأب ابنته على النكاح ، وجبر الحاكم الرجل على البيع ، ومعنى هذا الجبر : أكرهه عليه ، ليس معناه أنه جعله محبّا لذلك راضيا به مختارا له ، والله تعالى إذا خلق فعل العبد ، جعله محبا له مختارا لإيقاعه راضيا به مختارا له ، والله تعالى فإطلاق لفظ الجبر على ذلك فاسد لفظا ومعنى ، فإن الله سبحانه أجلّ وأعزّ من أن يجبر عبده بذلك المعنى ، وإنما يجبر العاجز عن أن يجعل غيره فاعلا
__________________
(١) رواه البخاري (٥٣) ، ومسلم (١٧) عن ابن عباس.