الثاني : أن المخلوق قد يجبر غيره إجبارا يكون به ظالما معتديا عليه ، والربّ أعدل من ذلك ، فإنه لا يظلم أحدا من خلقه ، بل مشيئته نافذة فيهم بالعدل والإحسان ، بل عدله فيهم من إحسانه إليهم ، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
الثالث : أن المخلوق يكون ، في جبره لغيره ، سفيها أو عائبا أو جاهلا ، والرب تعالى إذا جبر عبده على أمر من الأمور ، كان له في ذلك من الحكمة والعدل والإحسان والرحمة ما هو محمود عليه بجميع وجوه الحمد.
الرابع : أن المخلوق يجبر غيره لحاجته إلى ما جبره عليه ، ولانتفاعه بذلك ، وهذا لأنه فقير بالذات ، وأما الرب تعالى فهو الغنيّ بذاته ، الذي كلّ ما سواه محتاج إليه ، وليس به حاجة إلى أحد.
الخامس : أن المخلوق يجبر غيره لنقصه ، فيجبره ليحصل له الكمال بما أجبره عليه ، والرب تعالى له الكمال المطلق من جميع الوجوه ، وكماله من لوازم ذاته ، لم يستفده من خلقه ، بل هو الذي أعطاهم من الكمال ما يليق بهم ، فالمخلوق يجبر غيره ليتكمل ، والرب تعالى منزه عن كل نقص ، فكماله المقدس ينفي الجبر.
السادس : أن المخلوق يجبر غيره على فعل ، يعينه به على غرضه ، لعجزه عن التوصّل إليه إلا بمعاونته له ، فصار الفعل من هذا ، والقهر والإكراه من هذا محصلا لغرض المكره ، كما أنّ المعين لغيره باختياره شريك له في الفعل ، والرب تعالى غنيّ عما سواه بكل وجه ، فيستحيل في حقه الجبر.
السابع : أنّ المجبور على ما لا يريد فعله ، يجد من نفسه فرقا ضروريا بينه وبين ما يريد فعله باختياره ومحبته ، فالتسوية بين الأمرين تسوية بين ما علم ، بالحسّ والاضطرار ، الفرق بينهما ، وهو كالتسوية بين حركة المرتعش وحركة