فصل
فالطوائف كلها متفقة على الكسب ، ومختلفون في حقيقته ، فقالت القدرية : هو إحداث العبد لفعله ، بقدرته ومشيئته استقلالا ، وليس للرب صنع فيه ، ولا هو خالق فعله ، ولا مكونه ، ولا مريد له.
وقالت الجبرية : الكسب اقتران الفعل بالقدرة الحادثة ، من غير أن يكون لها فيه أمر. وكلا الطائفتين فرّق بين الخلق والكسب ، ثم اختلفوا فيما وقع به الفرق ، فقال الأشعري في عامة كتبه : معنى الكسب أن يكون الفعل بقدرة محدثة ، فمن وقع منه الفعل بقدرة قديمة ، فهو فاعل خالق ، ومن وقع منه بقدرة محدثة ، فهو مكتسب.
وقال قائلون : من يفعل بغير آلة ولا جارحة ، فهو خالق ، ومن يحتاج في فعله إلى الآلات والجوارح ، فهو مكتسب ، وهذا قول الإسكافي وطوائف من المعتزلة. قال : واختلفوا هل يقال : إن الإنسان فاعل على الحقيقة؟ فقالت المعتزلة كلها إلا الناشئ : إنّ الإنسان فاعل محدث ومخترع ومنشئ على الحقيقة دون المجاز ، وقال الناشئ : الإنسان لا يفعل في الحقيقة ، ولا يحدث في الحقيقة. وكان يقول : إن البارئ أحدث كسب الإنسان ، قال : فلزمه محدث ، لا لمحدث في الحقيقة ، ومفعول ، لا لفاعل في الحقيقة.
قلت : وجه إلزامه ذلك أنه قد أعطى أن الإنسان غير فاعل لفعله ، وفعله مفعول ، وليس هو فعلا لله ، ولا فعلا للعبد ، فلزمه مفعول من غير فاعل ، ولعمر الله إن هذا الإلزام لازم لأبي الحسن وللجبرية ، فإن عندهم الإنسان ليس بفاعل حقيقة ، والفاعل هو الله ، وأفعال الإنسان قائمة ، لم تقم بالله ،