والفطرة ، وكتب الله المنزلة ، وإجماع رسله وإثبات حمده وصفات كماله ، فإنّ فعله سبحانه كله خير ، وتعالى أن يفعل شرا بوجه من الوجوه ، فالشرّ ليس إليه ، والخير هو الذي إليه ، ولا يفعل إلا خيرا ، ولا يريد إلا خيرا ، ولو شاء لفعل غير ذلك ، ولكنه تعالى تنزّه عن فعل ما لا ينبغي وإرادته ومشيئته ، كما هو منزه عن الوصف به والتسمية به.
وإن قلتم : العبد هو الذي فعلها بما خلق فيه من الإرادة والمشيئة.
قيل : فالله سبحانه خالق أفعال العباد كلها بهذا الاعتبار ، ولو سلك الجبريّ مع القدريّ هذا المسلك لاستراح معه وأراحه ، وكذلك القدري معه ، ولكن انحرف الفريقان عن سواء السبيل ، كما قال :
سارت مشرّقة وسرت مغربا |
|
شتّان بين مشرّق ومغرّب |
فإن قيل : فهل يمكنه الامتناع منها ، وقد خلقت فيه نفسها أو أسبابها الموجبة لها ، وخلق السبب الموجب خلق لمسببه وموجبه؟.
قيل : هذا السؤال يورد على وجهين ، أحدهما : أن يراد به أنه يصير مضطرا إليها ملجأ إلى فعلها بخلقها أو خلق أسبابها ، بحيث لا يبقى له اختيار في نفسه ، ولا إرادة ، وتبقى حركته قسرية لا إرادية. الثاني أنه هل لاختياره وإرادته وقدرته تأثير فيها ، أو التأثير لقدرة الربّ ومشيئته فقط ، وذلك هو السبب الموجب للفعل ، فإن أوردتموه على الوجه الأول فجوابه أنه يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل ، ولا يصير مضطرا ملجأ بخلقها فيه ، ولا بخلق أسبابها ودواعيها ، فإنها إنما خلقت فيه على وجه ، يمكنه فعلها وتركها ، ولو لم يمكنه الترك ، لزم اجتماع النقيضين ، وأن يكون مريدا غير مريد ، فاعلا غير فاعل ، ملجأ غير ملجأ.
وإن أوردتموه على الوجه الثاني ، فجوابه أنّ لإرادته واختياره وقدرته أثرا