من يرقى في الجبل إلى علوه ، وبين حركة المرتعش ، وبين حركة المصفق ، وبين حركة الزاني والسارق ، والمجاهد والمصلي ، وحركة المكتوف الذي قد أوثق رباطا ، وجر على الأرض ، فمن سوّى بين الحركتين ، فقد خلع ربقة (١) العقل والفطرة والشرعة من عنقه ، وإن أردت المعنى الثاني ، وهو كون العقل لازم الوجود عند القدرة ، والداعي كان لازم الوجود ، وهذا لا فائدة فيه ، وكونه لازما وواجبا ، بهذا المعنى ، لا ينافي كونه مختارا مرادا له مقدورا له غير مكره عليه ، ولا مجبور ، فهذا الوجوب واللزوم لا ينافي الاختيار ، ثم نقول : لو صحّت هذه الحجة ، لزم أن يكون الرب سبحانه مضطرا على أفعاله مجبورا عليها ، بمعنى ما ذكرت من مقدماتها ، وأنه سبحانه يفعل بقدرته ومشيئته ، وما ذكرت من وجوب الفعل ، عند القدرة والداعي ، وامتناعه عند عدمهما ثابت في حقه سبحانه ، وقد اعترف أصحابك بهذا الإلزام ، وأجابوا عنه بما لا يجدي شيئا.
قال ابن الخطيب عقيب ذكر هذه الشبهة : فإن قلت : هذا ينفي كونه فاعلا مختارا ، قلت : الفرق أنّ إرادة العبد محدثة ، فافتقرت إلى إرادة ، يحدثها الله دفعا للتسلسل ، وإرادة الباري قديمة ، فلم تفتقر إلى إرادة أخرى.
وردّ هذا الفرق صاحب «التحصيل» فقال : ولقائل أن يقول : هذا لا يدفع التقسيم المذكور ، قلت ، : فإنّ التقسيم متردد بين لزوم الفعل عند الداعي ، وامتناعه عند عدمه ، وهذا التقسيم ثابت في حق الغائب والشاهد ، وكون إرادة الرب سبحانه قديمة ، من لوازم ذاته ، لا فاعل لها ، لا يمنع هذا الترديد والتقسيم ، فإن عند تعلّقها بالمراد يلزم وقوعه ، وعند عدم تعلقها به يمتنع وقوعه ، وهذا اللزوم والامتناع لا يخرجه سبحانه عن كونه فاعلا مختارا ، ثم
__________________
(١) ربقة : عروة (وثاق).