فنقول : صدور الفعل عند حصول القدرة والداعي إما أن يكون واجبا ، أو لا يكون واجبا ، فإن كان واجبا ، كان فعل العبد اضطراريا ، وذلك عين الجبر ، لأن حصول القدرة والداعي ليس بالعبد ، وإلا لزم التسلسل ، وهو ظاهر ، وإذا كان كذلك فعند حصولهما يكون واجبا ، وعند عدم حصولهما يكون الفعل ممتنعا ، فكان الجبر لازما لا محالة ، وأما إن لم يكن حصول الفعل ، عند حصول القدرة والداعي واجبا ، فإما أن يتوقف رجحان الفعل على رجحان الترك على مرجح ، أو لا يتوقف ، فإن توقّف ، كان حصول ذلك الفعل عند حصول المرجح واجبا ، وإلا عاد الكلام ولزم التسلسل ، وإذا كان واجبا كان اضطراريا ، وهو عين الجبر ، وإن لم يتوقف على مرجح ، كان جائز الوقوع وجائز العدم ، فوقوعه بغير مرجح يستلزم حصول الأثر بلا مؤثر ، وذلك محال.
فإن قلت : المرجح هو إرادة العبد ، قلت لك : إرادة العبد حادثة ، والكلام في حدوثها كالكلام في حدوث المراد بها ، ويلزم التسلسل.
قال السني : هذا أحدّ سهم في كنانتك ، وهو بحمد الله سهم لا ريش له ولا نصل ، مع عوجه وعدم استقامته ، وأنا استفسرك عمّا في هذه الحجة من الألفاظ المجملة المستعملة على حق وباطل ، وأبين فسادها ، فما تعني بقولك : إن كان الفعل عند القدرة والداعي واجبا ، كان فعل العبد اضطراريا ، وهو عين الجبر ، أتعني به أن يكون مع القدرة والداعي بمنزلة حركة المرتعش ، وحركة من نفضته الحمّى ، وحركة من رمي به من مكان عال ، فهو يتحرك في نزوله اضطرارا منه ، أم تعني به أن الفعل عند اجتماع القدرة والداعي يكون لازم الوقوع بالقدرة؟ فإن أردت ، بكونه اضطراريا ، المعنى الأول ، كذبتك العقول والفطر والحس والعيان ، فإن الله فطر عباده على التفريق بين حركة من رمي به من شاهق ، فهو يتحرك إلى أسفل ، وبين حركة