واقعا على حسب الداعي والاختيار ، والنوم وإن نافى القصد ، فلا ينافي القدرة.
قال النافون للقدرة : قولكم : النوم لا ينافي القدرة ، دعوى كاذبة ، فإنّ النائم منفعل محض ، متأثر صرف ، ولهذا لا يمتنع ممن يؤثر فيه ، وقولكم : لم يتجدد له أمر غير زوال النوم ، فالتجدد زوال المانع من القدرة ، فعاد إلى ما كان عليه ، كمن أوثق غيره رباطا ، ومنعه من الحركة ، فإذا حل رباطه ، تجدد زوال المانع. قالوا : نجد تفرقة ضرورية بين حركة النائم وحركة المرتعش والمفلوج ، وما ذاك إلا أن حركته مقدورة له ، وحركة المرتعش غير مقدورة له.
والتحقيق أن حركة النائم ضرورية له غير مكتسبة ، وكما فرّقنا في حقّ المستيقظ بين حركة ارتعاشه وحركة تصفيقه ، كذلك نجد تفرقة ضرورية بين حركة النائم وحركة المستيقظ.
فصل
وأما زائل العقل بجنون أو سكر ، فليست أفعاله اضطرارية كأفعال الملجأ ، ولا اختيارية بمنزلة أفعال العامل العالم بما يفعله ، بل هي قسم آخر من الاضطرارية ، وهي جارية مجرى أفعال الحيوان وفعل الصبي الذي لا تمييز له بل لكل واحد من هؤلاء داعية إلى الفعل يتصورها ، وله إرادة يقصد بها ، وقدرة ينفذ بها ، وإن كان داعيه نوع آخر غير داعي العاقل العالم بما يفعله ، فلا بد أن يتصور ما في الفعل من الغرض ، ثم يريده ويفعله ، وهذه أفعال طبيعية واقعة بالداعي والإرادة والقدرة ، والدواعي والإرادات تختلف ، ولهذا