كالتسلسل في المؤثر محال ، ممتنع لذاته ، وهو أن يكون مؤثرين (١) ، كل واحد منهم استفاد تأثيره ممّن قبله لا إلى غاية ، والتسلسل الواجب ما دلّ عليه العقل والشرع من دوام أفعال الرب تعالى في الأبد ، وأنه كلما انقضى لأهل الجنة نعيم ، أحدث لهم نعيما آخر ، لا نفاد له ، وكذلك التسلسل في أفعاله سبحانه من طرق الأزل ، وإن كل فعل مسبوق بفعل آخر ، فهذا واجب في كلامه ، فإنه لم يزل متكلما إذا شاء ، ولم تحدث له صفة الكلام في وقت ، وهكذا أفعاله التي هي من لوازم حياته ، فإنّ كلّ حيّ فعّال ، والفرق بين الحي والميت بالفعل ، ولهذا قال غير واحد من السلف : الحي الفعال.
وقال عثمان بن سعيد : كلّ حيّ فعال ، ولم يكن ربنا سبحانه قطّ ، في وقت من الأوقات المحققة أو المقدرة ، معطّلا عن كماله من الكلام والإرادة والفعل. وأما التسلسل الممكن فالتسلسل في مفعولاته من هذا الطرف ، كما يتسلسل في طرف الأبد ، فإنه إذا لم يزل حيا قادرا مريدا متكلما ، وذلك من لوازم ذاته ، فالفعل ممكن له بوجوب هذه الصفات له ، وأن يفعل أكمل من أن لا يفعل ، ولا يلزم من هذا أنه لم يزل الخلق معه ، فإنه سبحانه متقدم على كل فرد من مخلوقاته ، تقدّم لا أول له ، فلكلّ مخلوق أول ، والخالق سبحانه لا أوّل له ، فهو وحده الخالق ، وكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن ، قالوا : وكل قول سوى هذا ، فصريح العقل يرده ، ويقضي ببطلانه ، وكلّ من اعترف بأن الرب سبحانه لم يزل قادرا على الفعل ، لزمه أحد الأمرين لا بد له منهما ، إمّا أن يقول بأن الفعل لم يزل ممكنا ، وإما أن يقول : لم يزل واقعا ، وإلا تناقض تناقضا بيّنا ، حيث زعم أن الرب سبحانه ، لم يزل قادرا على الفعل ، والفعل محال ممتنع لذاته ، لو أراده لم يمكن وجوده ، بل فرض إرادته عنده محال ، وهو مقدور له ، وهذا قول ينقض
__________________
(١) هكذا وردت في المطبوع ، والوجه أن تكون (مؤثران).