مخلوقه ، وأمره مخلوق من مخلوقاته ، فلا خلق ولا أمر ، ومن أثبت له الكلام القائم بذاته ، ونفى أن يكون له فعل ، فقد أثبت الأمر دون الخلق ، ولم يقل أحد بقيام أفعاله به ، ونفى صفة الكلام عنه ، فيثبت الأمر دون الخلق.
وأهل السنة يثبتون له تعالى ما أثبته لنفسه من الخلق والأمر ، فالخلق فعله ، والأمر قوله ، وهو سبحانه يقول ويفعل.
وأجابت طائفة أخرى ، من أهل السنة والحديث ، عن هذا ، بالتزام التسلسل ، وقالوا : ليس في العقل ولا في الشرع ما ينفي دوام فاعلية الرب سبحانه ، وتعاقب أفعاله شيئا قبل شيء إلى غير غاية ، كما تتعاقب شيئا بعد شيء إلى غير غاية ، فلم تزل أفعالا ، قالوا : والفعل صفة كمال ، ومن يفعل أكمل ممن لا يفعل. قالوا : ولا يقتضي صريح العقل إلا هذا ، ومن زعم أن الفعل كان ممتنعا عليه سبحانه في مدد غير مقدرة ، لا نهاية لها ، ولا يقدر أن يفعل ، ثم انقلب الفعل من الاستحالة الذاتية إلى الإمكان الذاتي ، من غير حدوث سبب ، ولا تغير في الفاعل ، فقد نادى على عقله بين الأنام. قالوا : وإذا كان هذا في العقول ، جاز أن ينقلب العالم من العدم إلى الوجود من غير فاعل ، وإن امتنع هذا في بدائه (١) العقول ، فكذلك نجد إمكان الفعل وانقلابه من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي بلا سبب ، وأما أن يكون هذا ممكنا وذاك ممتنعا ، فليس في العقول ما يقضي بذلك.
قالوا : والتسلسل لفظ مجمل ، لم يرد بنفيه ولا إثباته كتاب ناطق ولا سنة متبعة ، فيجب مراعاة لفظه ، وهو ينقسم إلى واجب ، وممتنع ، وممكن ،
__________________
(١) تصحفت في المطبوع إلى : «بداية».