قال السني : أخطأتما جميعا في فهم الآية أقبح الخطأ ، ومنشأ غلطكما أن الحسنات والسيئات في الآية ، المراد بها الطاعات والمعاصي التي هي فعل العبد الاختياري ، وهذا وهم محض في الآية ، وإنما المراد بها : النعم والمصائب. ولفظ الحسنات والسيئات في كتاب الله ، يراد به هذا تارة ، وهذا تارة ، فقوله تعالى : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها (١٢٠)) [آل عمران] وقوله : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ (٥٠)) [التوبة] وقوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ (١٦٨)) [الأعراف] وقوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨)) [الشورى] وقوله : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ (١٣١)) [الأعراف] وقوله : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (٧٩)) [النساء].
المراد في هذا كله النعم والمصائب.
وأما قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها (١٦٠)) [الأنعام] وقوله : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ (١١٤)) [هود] وقوله : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ (٧٠)) [الفرقان] والمراد في هذا كله الأعمال المأمور بها والمنهي عنها ، وهو سبحانه إنما قال : ما أصابك ، ولم يقل : ما أصبت وما كسبت ، فما يفعله العبد يقال فيه : ما أصبت وكسبت وعملت كقوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ (١٢٤)) [النساء] وكقوله : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (١٢٣)) [النساء] (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً (١١٢)) [النساء] وقول المذنب التائب : يا رسول الله : أصبت ذنبا ، فأقم عليّ كتاب الله ، ولا يقال في هذا : أصابك ذنب ، وأصابتك سيئة.
وما يفعل به بغير اختياره يقال فيه : أصابك كقوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (٣٠)) [الشورى] وقوله : (وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ