ولما كان الشر له مصدر يبتدئ منه ، وغاية ينتهي إليها ، وكان مصدرها إما من نفس الإنسان ، وإما من الشيطان ، وغايته أن يعود على صاحبه أو على أخيه المسلم ، تضمّن الدعاء هذه المراتب الأربعة بأوجز لفظ وأوضحه وأبينه.
فصل
قال السني : فليس لك أيها القدريّ أن تحتجّ بالآية التي نحن فيها لمذهبك ، لوجوه ، أحدها : أنك تقول : فعل العبد حسنة كان أو سيئة هو منه ، لا من الله ، بل الله سبحانه قد أعطى كل واحد من الاستطاعة ما يفعل به الحسنات والسيئات ، ولكن هذا أحدث من عند نفسه إرادة ، فعل بها الحسنات ، وهذا أحدث إرادة ، فعل بها السيئات ، وليست واحدة من الإرادتين من إحداث الربّ سبحانه البتة ، ولا أوجبتها مشيئته. والآية قد فرّقت بين الحسنة والسيئة ، وأنتم لا تفرقون بينهما ، فإن الله عندكم لم يشأ هذا ولا هذا.
قال القدري : إضافة السيئة إلى نفس العبد ، لكونه هو الذي أحدثها وأوجدها ، وأضاف الحسنة إليه سبحانه ، لكونه هو الذي أمر بها وشرعها.
قال السني : الله سبحانه أضاف إلى العبد ما أصابه من سيئة ، وأضاف إلى نفسه ما أصاب العبد من حسنة ، ومعلوم أن الذي أصاب العبد هو الذي قام به ، والأمر لم يقم بالعبد ، وإنما قام به المأمور ، وهو الذي أصابه ، فالذي أصابه لا تصح إضافته إلى الربّ عندكم ، والمضاف إلى الربّ لم يقم بالعبد ، فعلم أن الذي أصابه من هذا وهذا أمر قائم به ، فلو كان المراد به الأفعال