بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا» (١).
فشرّ النفس نوعان : صفة وعمل ، والعمل ينشأ عن الصفة ، والصفة تتأكّد وتقوى بالعمل ، فكل منهما يمدّ الآخر. وسيئات الأعمال نوعان : قد فسرهما الحديث ، أحدهما : مساويها وقبائحها ، فتكون الإضافة فيه من النوع إلى جنسه ، وهي إضافة بمعنى «من» أي : السيئات من أعمالنا. والثاني : أنها ما يسوء العامل مما يعود عليه من عقوبة عمله ، فيكون من إضافة المسبب إلى سببه ، وتكون الإضافة على معنى «اللام» وقد يرجح الأول بأنه يكون قد استعاذ من الصفة والعمل الناشئ عنها ، وذلك يتضمن الاستعاذة من الجزاء السيئ المترتب على ذلك ، فتضمنت الاستعاذة ثلاثة أمور : الاستعاذة من العذاب ، ومن سببه الذي هو العمل ، ومن سبب العمل الذي هو الصفة ، وقد يرجح الثاني أنّ شرّ النفس يعمّ النوعين كما تقدم ، فسيئات الأعمال ما يسوء من جزائها ، ونبّه بقوله : سيئات أعمالنا ، على أن الذي يسوء من الجزاء ، إنما هو بسبب الأعمال الإرادية ، لا من الصفات التي ليست من أعمالنا ، ولما كانت تلك الصفة شرا ، استعاذ منها ، وأدخلها في شر النفس.
وقال الصدّيق ، رضي الله تعالى عنه ، للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : علّمني دعاء أدعو به في صلاتي ، قال : «قل : اللهمّ فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، ربّ كل شيء ومليكه ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شرّ نفسي وشر الشيطان وشركه ، وأن أقترف على نفسي سوء أو أجرّه إلى مسلم ، قله إذا أصبحت ، وإذا أمسيت ، وإذا أخذت مضجعك» (٢).
__________________
(١) صحيح. رواه أحمد (١ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣) ، وأبو داود (٢١١٨) ، والترمذي (١١٠٥) ، والنسائي (٦ / ٨٩) عن ابن مسعود.
(٢) صحيح. رواه أحمد (١ / ٩ ـ ١٠) و (٢ / ٢٩٧) ، وأبو داود (٥٠٦٧) ، والترمذي (٣٣٩٢) وغيرهم عن أبي هريرة.