قال السنيّ : هذا معترك النزال وتفرق طرق العالم ، والله سبحانه أعطى العبد مشيئة وقدرة وإرادة ، تصلح لهذا ولهذا ، ثم أمدّ أهل الفضل بأمور وجودية زائدة على ذلك المشترك ، أوجب له الهداية والإيمان ، وأمسك ذلك الإمداد عمّن علم أنه لا يصلح له ، ولا يليق به ، فانصرفت قوى إرادته ومشيئته إلى ضده اختيارا منه ، ومحبة ، لا كرها واضطرارا.
قال القدري : فهل كان يمكنه إرادة ما لم يعن عليه ، ولم يوفّق له بإمداد زائد على خلق الإرادة.
قال السني : إن أردت بالإمكان أنه يمكنه فعله لو أراده ، فنعم! هو ممكن بهذا الاعتبار مقدور له ، وإن أردت به أنه ممكن وقوعه ، بدون مشيئة الرب وإذنه ، فليس يمكن ، فإنه ما شاء الله كان ووجب وجوده ، وما لم يشأ لم يكن ، وامتنع وجوده.
قال القدري : فقد سلمت حينئذ أنه غير ممكن للعبد إذا لم يشأ الله منه أن يفعله ، فصار غير مقدور للعبد ، فقد عوقب على ترك ما لا يقدر على فعله.
قال السني : عدم إرادة الله سبحانه للعبد ومشيئته أن يفعل ، لا يوجب كون الفعل غير مقدور له ، فإنه سبحانه لا يريد من نفسه أن يعينه عليه ، مع كونه أقدره عليه ، ولا يلزم من إقداره عليه وقوعه ، حتى توجد منه إعانة أخرى ، فانتفاء تلك الإعانة لا يخرج الفعل عن كونه مقدورا للعبد ، فإنه قد يكون قادرا على الفعل ، لكن يتركه كسلا وتهاونا وإيثارا لفعل ضده ، فلا يصرف الله عنه ترك الواقع ، ولا يوجب عدم صرفه كونه عاجزا عن الفعل ، فإن الله سبحانه يعلم أنه قادر عليه ، بالقدرة التي أقدره بها ، ويعلم أنه لا يريده مع كونه قادرا عليه ، فهو سبحانه مريد له ، ومنه الفعل ، ولا يريد من نفسه إعانته