وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨)) [الحجرات].
فجميع ما يتقلب فيه العالم من خير الدنيا والآخرة هو نعمة محضة ، بلا سبب سابق يوجب ذلك لهم ، ومن غير حول وقوة منهم إلا به ، وهو خالقهم وخالق أعمالهم الصالحة وخالق جزائها ، وهذا كله منه سبحانه ، بخلاف الشر ، فإنه لا يكون إلا بذنوب العبد ، وذنبه من نفسه ، وإذا تدبّر العبد هذا ، علم أن ما هو فيه من الحسنات من فضل الله ، فشكر ربه على ذلك ، فزاده من فضله عملا صالحا ونعما ، يفيضها عليه ، وإذا علم أنّ الشرّ لا يحصل له إلا من نفسه وبذنوبه ، استغفر ربّه ، وتاب ، فزال عنه سبب الشر ، فيكون دائما شاكرا مستغفرا ، فلا يزال الخير يتضاعف له ، والشر يندفع عنه ، كما كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول في خطبته : «الحمد لله فيشكر الله ثم يقول : نستعينه ونستغفره ؛ نستعينه على طاعته ، ونستغفره من معصيته ، ونحمده على فضله وإحسانه ، ثم قال : ونعوذ بالله من شرور أنفسنا.
لما استغفره من الذنوب الماضية ، استعاذ به من الذنوب التي لم تقع بعد ، ثم قال : ومن سيئات أعمالنا ؛ فهذه استعاذة من عقوبتها كما تقدم ، ثم قال : من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، فهذه شهادة للرب بأنه المتصرف في خلقه بمشيئته وقدرته وحكمته وعلمه ، وأنه يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، فإذا هدى عبدا ، لم يضله أحد ، وإذا أضله ، لم يهده أحد ، وفي ذلك إثبات ربوبيته وقدرته وعلمه وحكمته وقضائه وقدره الذي هو عقد نظام التوحيد وأساسه ، وكل هذا مقدمة بين يدي قوله : وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فإنّ الشهادتين إنما تتحققان بحمد الله واستعانته واستغفاره ، واللّجأ إليه ، والإيمان بإقداره.
والمقصود أنه سبحانه فرّق بين الحسنات والسيئات بعد أن جمع بينهما في