قوله : كلّ من عند الله. فجمع بينهما الجمع الذي لا يتم الإيمان إلا به وهو اجتماعهما في قضائه وقدره ومشيئته وخلقه ، ثم فرق بينهما الفرق الذي ينتفعون به ، وهو أن هذا الخير والحسنة نعمة منه ، فاشكروه عليه يزدكم من فضله ونعمه ، وهذا الشر والسيئة بذنوبكم ، فاستغفروه يرفعه عنكم ، وأصله من شرور أنفسكم ، فاستعيذوا به يخلصكم منها ، ولا يتم ذلك إلا بالإيمان بالله وحده ، وهو الذي يهدي ويضل ، وهو الإيمان بالقدر ، فادخلوا عليه من بابه ، فإن أزمّة الأمور بيده ، فإذا فعلتم ذلك ، صدّق منكم شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله.
فهذه الخطبة العظيمة (١) عقد نظام الإسلام والإيمان ، فلو اقتصر لهم على الجمع دون الفرق ، أعرض العاصي والمذنب عن ذمّ نفسه ، والتوبة من ذنوبه ، والاستعاذة من شرها ، وقام في قلبه شاهد الاحتجاج على ربه بالقدر ، وتلك حجة داحضة ، تبع الأشقياء فيها إبليس ، وهي لا تزيد صاحبها إلّا شقاء وعذابا ، كما زادت إبليس طردا وبعدا عن ربه ، وكما زادت المشركين ضلالا وشقاء حين قالوا : لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ، وكما تزيد الذي يقول يوم القيامة : لو أنّ الله هداني لكنت من المتقين ، حسرة وعذابا ، ولو اقتصر لهم على الفرق دون الجمع ، لغابوا به في التوحيد والإيمان بالقدر ، واللّجأ إلى الله في الهداية والتوفيق والاستعاذة به من شر النفس وسيئات العمل ، والافتقار التام إلى إعانته وفضله ، وكان في الجمع والفرق بيان حقّ العبودية ، وسيأتي تمام هذا الكلام على هذا الموضع العظيم القدر ، إن شاء الله ، بإثبات اجتماع القدر والشرع وافتراقهما.
الفرق الثالث : أنّ الحسنة يضاعفها الله سبحانه ، وينميها ويكتبها للعبد
__________________
(١) انظر ما سبق.