بأدنى سعي ، ويثيب على الهمّ بها ، والسيئة لا يؤاخذ على الهم بها ، ولا يضاعفها ، ويبطلها بالتوبة والحسنة الماحية والمصائب المكفّرة ، فكانت الحسنة أولى بالإضافة إليه تعالى ، والسيئة أولى بالإضافة إلى النفس.
الفرق الرابع : أن الحسنة التي هي الطاعة والنعمة ، يحبها ويرضاها ، فهو سبحانه يحبّ أن يطاع ، ويحب أن ينعم ويحسن ويجود ، وإن قدّر المعصية ، وأراد المنع ، فالطاعة أحبّ إليه ، والبذل والعطاء آثر عنده ، فكان إضافة نوعي الحسنة له ، وإضافة نوعي السيئة إلى النفس أولى ، ولهذا تأدب العارفون من عباده بهذا الأدب ، فأضافوا إليه النعم والخيرات ، وأضافوا الشرور إلى محلها ، كما قال إمام الحنفاء : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠)) [الشعراء] فأضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى ربه ، وقال الخضر : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها (٧٩)) [الكهف] ثم قال : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما (٨٢)) [الكهف].
وقال مؤمنو الجن : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠)) [الجن].
الفرق الخامس : أنّ الحسنة مضافة إليه ، لأنه أحسن بها من كل وجه وبكل اعتبار كما تقدم ، فما من وجه من وجوهها إلا وهو يقتضي الإضافة إليه ، وأما السيئة فهو سبحانه إنما قدّرها وقضاها لحكمته ، وهي ، باعتبار تلك الحكمة ، من إحسانه ، فإن الرب سبحانه لا يفعل سوء قط ، كما لا يوصف به ، ولا يسمّى باسمه ، بل فعله كله حسن وخير وحكمة ، كما قال تعالى : بيده الخير. وقال أعرف الخلق به : والشرّ ليس إليك. فهو لا يخلق شرا محضا من كل وجه ، بل كل ما خلقه ففي خلقه مصلحة وحكمة ، وإن