كان في بعضه شرّ جزئيّ إضافي ، وأما الشر الكليّ المطلق من كل وجه ، فهو تعالى منزّه عنه ، وليس إليه.
الفرق السادس : أن ما يحصل للإنسان من الحسنات التي يعملها ، فهي أمور وجودية ، متعلقة بمشيئة الربّ وقدره ورحمته وحكمته ، وليست أمورا عدمية تضاف إلى غير الله ، بل هي كلها أمور وجودية ، وكلّ موجود حادث ، والله محدثه وخالقه ، وذلك أن الحسنات إما فعل مأمور ، أو ترك محظور ، والترك أمر وجودي ، فترك الإنسان لما نهي عنه ، ومعرفته بأنه ذنب قبيح ، وبأنه سبب العذاب ، فبغضه له وكراهته له ومنع نفسه إذا هويته وطلبته منه ، أمور وجودية ، كما أن معرفته بالحسنات ، كالعدل والصدق حسنة ، وفعله لها أمر وجودي ، والإنسان إنما يثاب على ترك السيئات ، إذا تركها على وجه الكراهة لها والامتناع عنها وكفّ النفس عنها ، قال تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ (٧)) [الحجرات] وقال تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠)) [النازعات] وقال : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ (٤٥)) [العنكبوت].
وفي الصحيحين عنه صلىاللهعليهوسلم : «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان ، من كان الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما ، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ، كما يكره أن يلقى في النار» (١).
وقد جعل صلىاللهعليهوسلم البغض ، في الله ، من أوثق عرى الإيمان ، وهو أصل الترك. وجعل المنع لله من كمال الإيمان ، وهو أصل الترك ، فقال : «من أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله» (٢). وقال : «من
__________________
(١) رواه البخاري (٦١) ، ومسلم (٤٣) عن أنس.
(٢) صحيح. رواه أحمد (٤ / ٢٨٦) وغيره عن البراء ، وفيه ليث : ضعيف ، ويشهد له ما رواه الطبراني (١١٥٣٧) عن ابن عباس ، وجاء أيضا من حديث ابن مسعود.