أحبّ لله ، وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان (١) ، وجعل إنكار المنكر بالقلب من مراتب الإيمان ، وهو بغضه وكراهته المستلزم لتركه ، فلم يكن الترك من الإيمان إلا بهذه الكراهة ، والبغض والامتناع والمنع لله ، وكذلك براءة الخليل وقومه من المشركين ومعبودهم ليست تركا محضا ، بل تركا صادرا عن بغض ومعاداة وكراهة ، هي أمور وجودية ، هي عبودية للقلب ، يترتب عليها خلوّ الجوارح من العمل ، كما أنّ التصديق والإرادة والمحبة للطاعة ، من عبودية القلب ، يترتب عليها آثارها في الجوارح ، وهذا الحبّ والبغض تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ، وهو إثبات تألّه القلب لله ومحبته ونفي تألهه لغيره وكراهته ، فلا يكفي أن يعبد الله ويحبه ، ويتوكل عليه ، وينيب إليه ، ويخافه ويرجوه حتى يترك عبادة غيره ، والتوكل عليه والإنابة إليه وخوفه ورجاءه ، ويبغض ذلك ، وهذه كلها أمور وجودية ، وهي الحسنات التي يثيب الله عليها ، وأما مجرد عدم السيئات من غير أن يعرف أنها سيئة ، ولا يكرهها بقلبه ويكفّ نفسه عنها ، بل يكون تركها لعدم خطورها بقلبه ، ولا يثاب على هذا الترك ، فهذا تكون السيئات في حقه بمنزلتها في حق الطفل والنائم ، لكن قد يثاب على اعتقاد تحريمها ، وإن لم يكن له إليها داعية البتة ، فالترك ثلاثة أقسام ، قسم يثاب عليه ، وقسم يعاقب عليه ، وقسم لا يثاب ولا يعاقب.
فالأول : ترك العالم بتحريمها ، الكافّ نفسه عنها لله ، مع قدرته عليها.
والثاني : كترك من يتركها لغير الله لا لله ، فهذا يعاقب على تركه لغير الله ، كما يعاقب على فعله لغير الله ، فإن ذلك الترك والامتناع فعل من أفعال القلب ، فإذا عبد به غير الله ، استحق العقوبة.
والثالث : كترك من لم يخطر على قلبه علما ، ولا محبة ولا كراهة ، بل بمنزلة ترك النائم والطفل.
__________________
(١) صحيح. رواه أبو داود (٤٦٨١) عن أبي أمامة.