وقال قتادة : أجمع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أن كلّ ما عصي الله به فهو جهالة ، عمدا كان أولم يكن ، وكلّ من عصى الله فهو جاهل. وقال مجاهد : من شيخ أو شاب ، فهو بجهالة. وقال : من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن خطيئته ، وقال هو وعطاء : الجهالة : العمد. وقال مجاهد : من عمل سوء خطأ أو عمدا فهو جاهل حتى ينزع منه.
ذكر هذه الآثار ابن أبي حاتم ، ثم قال : وروي عن قتادة وعمرو بن مرة والثوري نحو ذلك خطأ أو عمدا.
وروي عن مجاهد والضحاك : ليس من جهالته أن لا يعلم حلالا ولا حراما ، ولكن من جهالته حين دخل فيه. وقال عكرمة : الدماء كلها جهالة. ومما يبين ذلك قوله (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (٢٨)) [فاطر] وكلّ من خشيه فأطاعه بفعل أوامره ، وترك نواهيه فهو عالم كما قال تعالى (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٩)) [الزمر].
وقال رجل للشعبيّ : أيها العالم! فقال : لسنا بعلماء ، إنما العالم من يخشى الله.
وقال ابن مسعود : وكفى بخشية الله علما ، وبالاغترار بالله جهلا.
وقوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (٢٨)) [فاطر] يقتضي الحصر من الطرفين ، أن لا يخشاه إلا العلماء ، ولا يكون عالما إلّا من يخشاه ، فلا يخشاه إلا عالم ، وما من عالم إلا وهو يخشاه ، فإذا انتفى العلم انتفت الخشية ، وإذا انتفت الخشية دلت على انتفاء العلم ، لكن وقع الغلط في مسمّى العلم اللازم للخشية ، حيث يظن أنه يحصل بدونها ، وهذا ممتنع ، فإنه ليس في الطبيعة أن لا يخشى النار والأسد والعدوّ من هو عالم بها