مركّب من تزيين الشيطان وجهل النفس ، فإنه يزين لها السيئات ، ويريها أنها في صور المنافع واللذات والطيبات ، ويغفلها عن مطالعتها لمضرتها ، فتولّد من بين هذا التزيين وهذا الإغفال والإنساء لها إرادة وشهوة ، ثم يمدّها بأنواع التزيين ، فلا يزال يقوى حتى يصير عزما جازما ، يقترن به الفعل ، كما زين للأبوين الأكل من الشجرة ، وأغفلهما عن مطالعة مضرّة المعصية.
فالتزيين هو سبب إيثار الخير والشر كما قال تعالى : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣)) [الأنعام] وقال : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً (٨)) [فاطر] وقال في تزيين الخير : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ (٧)) [الحجرات] وقال في تزيين النوعين : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨)) [الأنعام] وتزيين الخير والهدى بواسطة الملائكة والمؤمنين ، وتزيين الشر والضلال بواسطة الشياطين من الجن والإنس ، كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ (١٣٧)) [الأنعام].
وحقيقة الأمر أنّ التزيين إنما يغترّ به الجاهل ، لأنه يلبّس له الباطل والضارّ المؤذي صورة الحقّ والنافع الملائم ، فأصل البلاء كله من الجهل وعدم العلم. ولهذا قال الصحابة : كلّ من عصى الله فهو جاهل ، وقال تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ (١٧)) [النساء] وقال : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤)) [الأنعام].
قال أبو العالية : سألت أصحاب محمد عن قوله : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ (١٧)) [النساء] فقالوا : كل من عصى الله فهو جاهل ، ومن تاب قبل الموت فقد تاب من قريب.