واتباع الهوى وإيثار الشهوات ، وهذه الأمور توجب شبهات وتأويلات تضاده.
فتأمل هذا الموضع حق التأمل ، فإنه من أسرار القدر والشرع والعدل ، فالعلم يراد به العلم التام المستلزم لأثره ، ويراد به المقتضى ، وإن لم يتم بوجود شروطه وانتفاء موانعه ، فالثاني يجامع الجهل دون الأول ، فتبين أن أصل السيئات الجهل وعدم العلم ، وإن كان كذلك ، فعدم العلم ليس أمرا وجوديا ، بل هو لعدم السمع والبصر والقدرة والإرادة ، والعدم ليس شيئا حتى يستدعي فاعلا مؤثرا فيه ، بل يكفي فيه عدم مشيئة ضده ، وعدم السبب الموجب لضده. والعدم المحض لا يضاف إلى الله فإنه شرّ ، والشرّ ليس إليه ، فإذا انتفى هذا الجازم عن العبد ، ونفسه بطبعها متحركة مريدة ، وذلك من لوازم شأنها ، تحركت بمقتضى الطبع والشهوة ، وغلب ذلك فيها على داعي العلم والمعرفة ، فوقعت في أسباب الشر ، ولا بدّ.
فصل
والله سبحانه قد أنعم على عباده ، من جملة إحسانه ونعمه ، بأمرين ، هما أصل السعادة :
أحدهما : أن خلقهم في أصل النشأة على الفطرة السليمة ، فكلّ مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يخرجانه عنها ، كما ثبت ذلك عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وشبه ذلك بخروج البهيمة صحيحة سالمة حتى يجدعها صاحبها ، وثبت عنه أنه قال : «يقول الله تعالى : إني خلقت عبادي حنفاء ، فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم ،