وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا» (١) فإذا تركت النفس وفطرتها ، لم تؤثر على محبة باريها وفاطرها وعبادته وحده شيئا ، ولم تشرك به ، ولم تجحد كمال ربوبيته ، وكان أحبّ شيء إليها وأطوع شيء لها وآثر شيء عندها ، ولكن يعدها من يقترن بها ، من شياطين الجن والإنس ، بتزيينه وإغوائه حتى ينغمس موجبها وحكمها.
الأمر الثاني : أنه سبحانه هدى الناس هداية عامة بما أودعه فيهم من المعرفة ، ومكّنهم من أسبابها ، وبما أنزل إليهم من الكتب ، وأرسل إليهم من الرسل ، وعلّمهم ما لم يكونوا يعلمونه ، ففي كلّ نفس ما يقتضي معرفتها بالحق ومحبتها له ، وقد هدى الله كلّ عبد إلى أنواع من العلم ، يمكنه التوصل بها إلى سعادة الآخرة ، وجعل في فطرته محبة لذلك ، لكن قد يعرض العبد عن طلب علم ما ينفعه ، فلا يريده ولا يعرفه ، وكونه لا يريد ذلك ، ولا يعرفه ، أمر عدمي ، فلا يضاف إلى الرب ، لا هذا ولا هذا ، فإنه من هذه الحيثية شرّ ، والذي يضاف إلى الرب علمه به وقضاؤه له بعدم مشيئته لضده ، وإبقائه على العدم الأصلي ، وهو من هذه الجهة خير ، فإنّ العلم بالشر خير من الجهل به ، وعدم رفعه بإثبات ضده ، إذا كان مقتضى الحكمة ، كان خيرا ، وإن كان شرا بالنسبة إلى محله ، وسيأتي تمام تقرير هذا في باب دخول الشر ، في القضاء الإلهي ، إن شاء الله سبحانه.
__________________
(١) رواه مسلم (٢٨٦٥) عن عياض بن حمار.