فكانت القدرة والإرادة من إحداثه سبحانه. واختيارها أحد المقدورين المرادين من قبلها ، فهي التي رجّحته.
قالوا : والقادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بغير مرجّح ، كالعطشان إذا قدّم له قدحان متساويان من كل وجه ، والهارب إذا عنّ له طريقان ، كذلك فإنه يرجّح أحدهما بلا مرجح ، فالله سبحانه أحدث فيه إرادة الفعل ، ولكن الإرادة لا توجب المراد ، فإحداثها فيها امتحانا له وابتلاء ، وأقدره على خلافها ، وأمره بمخالفتها ، ولا ريب أنه قادر على مخالفتها ، فلا يلزم من كونها مخلوقة لله حاصلة بإحداثه وجوب الفعل عندها.
وقال أبو الحسين البصري : إنّ الفعل يتوقف على الداعي والقدرة ، وهما من الله ، خلقا فيه ، وعندهما يجب وجود الفعل باختيار العبد وداعيه ، فيكون هو المحدث له بما فيه من الدواعي والقدرة.
فهذه طرق أصحابنا في الجواب عما ذكرتم.
قال السّنيّ : لم تتخلصوا بذلك من الإلزام ، ولم تبينوا به بطلان حجتهم المذكورة ، فلا منعتم مقدماتها ، وبينتم فسادها ، ولا عارضتموها بما هو أقوى منها ، كما أنهم لم يتخلصوا من إلزامكم ، ولم يبينوا بطلان دليلكم ، وكان غاية ما عندكم وعندهم المعارضة وبيان كل منكم تناقض الآخر ، وهذا لا يفيد نصرة الحقّ وإبطال الباطل ، بل يفيد بيان خطئكم وخطئهم وعدو لكم وإياهم عن منهج الصواب. فنقول وبالله التوفيق.
مع كلّ منكما صواب من وجه وخطأ من وجه ، فأما صواب الجبريّ ، فمن جهة إسناده الحوادث كلها إلى مشيئة الله وخلقه وقضائه وقدره. والقدري خالف الضرورة في ذلك ، فإن كون العبد مريدا فاعلا بعد أن لم يكن ، أمر حادث ، فإما أن يكون له محدث ، وإما أن لا يكون ، فإن لم يكن له محدث