أفعالنا الاختيارية إلى إرادتنا وقدرتنا ، وإنا إذا أردنا الحركة يمنة لم تقع يسرة. وبالعكس ، فهذه الحجة لا يمكن دفعها ، والجمع بين الحجتين هو الحق ، فإن الله سبحانه خالق إرادة العبد وقدرته ، وجاعلهما سببا لإحداثه الفعل ، فالعبد محدث لفعله بإرادته واختياره وقدرته حقيقة ، وخالق السبب خالق للمسبّب ، ولو لم يشأ سبحانه وجود فعله ، لما خلق له السبب الموجد له. فقال الفريقان للسني : كيف يكون الرب تعالى محدثا لها والعبد أيضا؟.
قال السني : إحداث الله سبحانه لها بمعنى أنه خلقها منفصلة عنه ، قائمة بمحلها ، وهو العبد ، فجعل العبد فاعلا لها بما أحدث فيه من القدرة والمشيئة ، وإحداث العبد لها بمعنى أنها قامت به ، وحدثت بإرادته وقدرته ، وكلّ من الإحداثين مستلزم للآخر ، ولكن جهة الإضافة مختلفة ، فما أحدثه الربّ سبحانه من ذلك فهو مباين له قائم بالمخلوق مفعول له لا فعل ، وما أحدثه العبد فهو فعل له ، قائم به يعود إليه حكمه ، ويشتق له منه اسمه ، وقد أضاف الله سبحانه كثيرا من الحوادث إليه ، وأضافها إلى بعض مخلوقاته كقوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها (٤٢)) [الزمر] وقال : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ (١١)) [السجدة] وقال : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا (٦١)) [الإنعام] وقال : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ (١٥١)) [آل عمران] وقال : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا (٢٧)) [إبراهيم] ، وقال : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ (١١٣)) [النساء] وقال : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ (١٠٢)) [النحل] وقال : (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ (١١٣)) [النحل] (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ (٤١)) [المؤمنون] وقال : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ (٤٠)) [العنكبوت] (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢)) [القمر].
وهذا كثير ، فأضاف هذه الأفعال إلى نفسه إذ هي واقعة بخلقه ومشيئته وقضائه ، وأضافها إلى أسبابها ، إذ هو الذي جعلها أسبابا ، لحصولها بين