الإضافتين ، ولا تناقض بين السببين ، وإذا كان كذلك تبين أنّ إضافة الفعل الاختياريّ إلى الحيوان بطريق التسبب ، وقيامه به ووقوعه بإرادته لا ينافي إضافته إلى الرب سبحانه خلقا ومشيئة وقدرا.
ونظيره قوله تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١)) [الحاقة] وقال لنوح : (احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (٤٠)) [هود] فالربّ سبحانه هو الذي حملهم فيها بإذنه وأمره ومشيئته ، ونوح حملهم بفعله ومباشرته.
فصل
وأما قول الجاحظ : إنّ العبد يحدث أفعاله الاختيارية من غير إرادة منه ، بل بمجرد القدرة والداعي ، فإن أراد نفي إرادة العبد ، وجحد هذه الصفة عنه ، فمكابرة لا تنكر من طوائف ، هم أكثر الناس مكابرة وجحدا للمعلوم بالضرورة ، فلا أرخص من ذلك عندهم ، وإن أراد أنّ الإرادة أمر عدمي ، وهو كونه غير مغلوب ولا ملجأ ، فيقال : هذا العدم من لوازم الإرادة ، لا أنه نفسها ، وكون الإرادة أمرا عدميا مكابرة أخرى ، وهي بمنزلة قول القائل : القدرة أمر عدمي ، لأنها بمعنى عدم العجز والكلام عدمي ، لأنه عدم الخرس. والسمع والبصر عدمي ، لأنهما عدم الصمم والعمى ، وأما قوله : إن الفعل يقع بمجرد القدرة ، وعلم الفاعل بما فيه من الملاءمة فمكابرة ثالثة ، فإنّ العبد يجد من نفسه قدرة على الفعل وعلما بمصلحته ، ولا يفعله لعدم إرادته له ، لما في فعله من فوات محبوب له ، أو حصول مكروه إليه ، فلا يوجب القدرة والعلم وقوع الفعل ما لم تقارنهما الإرادة.