فصل
ونحن نذكر أصولا مهمة نبيّن بها جواب هذه الأسئلة ، وقد اعترف كثير من المتكلمين ممن له نظر في الفلسفة والكلام أنه لا يمكن الجواب عنها إلا بالتزام القول بالموجب بالذات ، أو القول بإبطال الحكمة والتعليل ، وأنه سبحانه لا يفعل شيئا لشيء ، ولا يأمر بشيء لحكمة ، ولا جعل شيئا من الأشياء سببا لغيره ، وما ثمّ إلا مشيئة محضة وقدرة ترجّح مثلا على مثلا ، بلا سبب ولا علّة ، وأنه لا يقال في فعله : لم ، ولا كيف ، ولا لأيّ سبب وحكمة. ولا هو معلّل بالمصالح.
قال الرازيّ في مباحثه : فإن قيل : فلم لم يخلق الخالق هذه الأشياء عريّة عن كل الشرور؟ فنقول : لأنه لو جعلها كذلك ، لكان هذا هو القسم الأول ، وذلك مما خرج عنه ، يعني : كان ذلك هو القسم آخر ، وهو الذي هو خير محض ، لا شر فيه. قال : وبقي في الفعل قسم آخر ، وهو الذي يكون خيره غالبا على شره ، وقد بيّنا أن الأولى بهذا القسم أن يكون موجودا ، قال : وهذا الجواب لا يعجبني ، لأن لقائل أن يقول : إنّ جميع هذه الخيرات والشرور إنما توجد باختيار الله سبحانه وإرادته ، فالاحتراق الحاصل عقيب النار ليس موجبا عن النار ، بل الله اختار خلقه عقيب مماسّة النار ، وإذا كان حصول الاحتراق عقيب مماسة النار باختيار الله وإرادته ، فكان يمكنه أن يختار خلق الإحراق عند ما يكون خيرا ، ولا يختار خلقه عند ما يكون شرا ، ولا خلاص عن هذه المطالبة إلا ببيان كونه فاعلا بالذات ، لا بالقصد والاختيار.
ويرجع حاصل الكلام في هذه المسألة إلى مسألة القدم والحدوث ، فانظر