خلقه ، ولما كانت المصيبة تتضمن فوات محبوب ، أو خوف فواته أو حصول مكروه أو خوف حصوله ، نبه بالأسى على الفائت على مفارقة المحبوب بعد حصوله ، وعلى فوته حيث لم يحصل ، ونبّه بعدم الفرح به إذا وجد ، على توطين النفس لمفارقته قبل وقوعها ، وعلى الصبر على مرارتها بعد الوقوع ، وهذه هي أنواع المصائب ، فإذا تيقّن العبد أنها مكتوبة مقدرة ، وأنّ ما أصابه منها لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، هانت عليه ، وخفّ حملها ، وأنزلها منزلة الحرّ والبرد.
فصل
النوع الرابع : ذكر المفعول له ، وهو علة للفعل المعلل به ، كقوله (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً (٨٩)) [النحل] ونصب ذلك على المفعول له أحسن من غيره ، كما صرح به في قوله (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (٤٤)) [النحل] وفي قوله (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)) [البقرة] فإتمام النعمة هو الرحمة ، وقوله (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩)) [الشعراء] وقوله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ (١٧)) [القمر] أي : لأجل الذكر كما قال (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨)) [الدخان] وقوله (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦)) [المرسلات] أي : للإعذار والإنذار ، وقوله (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤)) [الأنعام] فهذا كله مفعول لأجله وقوله (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥)) [عبس] إلى قوله (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣)) [النازعات] والمتاع واقع موقع التمتيع ، كما يقع السلام موقع التسليم