لما عرف قدره.
وأعرف الناس بقدر النعمة من ذاق البلاء ، وأعرفهم بقدر الفقر من قاسى مرائر الفقر والحاجة.
ولو كان الناس كلهم على صورة واحدة من الجمال لما عرف قدر الجمال ، وكذلك لو كانوا كلهم مؤمنين لما عرف قدر الإيمان والنعمة به. فتبارك من له في خلقه وأمره الحكم البوالغ والنعم السوابغ. يوضحه :
الوجه السابع عشر : أنه سبحانه يحب أن يعبد بأنواع العبودية ، ومن أعلاها وأجلّها عبودية الموالاة فيه ، والمعاداة فيه ، والحب فيه ، والبغض فيه ، والجهاد في سبيله ، وبذل مهج النفوس في مرضاته ، ومعارضة أعدائه ، وهذا النوع هو ذروة سنام العبودية وأعلى مراتبها ، وهو أحب أنواعها إليه ، وهو موقوف على ما لا يحصل بدونه من خلق الأرواح التي تواليه وتشكره وتؤمن به ، والأرواح التي تعاديه وتكفر به ، ويسلط بعضها على بعض لتحصل بذلك محابّه على أتم الوجوه ، وتقرب أولياءه إليه لجهاد أعدائه ومعارضتهم فيه وإذلالهم وكبتهم ومخالفة سبيلهم ، فتعلو كلمته ودعوته على كلمة الباطل ودعوته ، ويتبين بذلك شرف علوّها وظهورها ، ولو لم يكن للباطل والكفر والشرك وجود ، فعلى أيّ شيء كانت كلمته ودعوته تعلو ؛ فإن العلو أمر لشيء ، يستلزم غالبا ما يعلى عليه ، وعلو الشيء على نفسه محال ، والوقوف على الشيء لا يحصل بدونه ، يوضحه :
الوجه الثامن عشر : أنّ من عبوديته العتق والصدقة والإيثار والمواساة والعفو والصفح والصبر وكظم الغيظ واحتمال المكاره ، ونحو ذلك مما لا يتم إلا بوجود متعلّقه وأسبابه ، فلو لم تحصل عبودية العتق ، فالرق من أثر الكفر ، ولو لا الظلم والإساءة والعدوان ، لم تحصل عبودية الصبر والمغفرة