ويكفي العاقل البصير الحي القلب فكرة في فرع واحد من فروع الأمر والنهي ، وهو الصلاة وما اشتملت عليه من الحكم الباهرة والمصالح الباطنة والظاهرة والمنافع المتصلة بالقلب والروح والبدن والقوى التي لو اجتمع حكماء العالم قاطبة ، واستفرغوا قواهم وأذهانهم ، لما أحاطوا بتفاصيل حكمها وأسرارها وغاياتها المحمودة ، بل انقطعوا كلهم دون أسرار الفاتحة وما فيها من المعارف الإلهية والحكم الربانية والعلوم النافعة والتوحيد التام والثناء على الله بأصول أسمائه وصفاته. وذكر أقسام الخلقة باعتبار غاياتهم ووسائلهم وما في مقدماتها وشروطها من الحكم العجيبة ، من تطهير الأعضاء والثياب والمكان ، وأخذ الزينة ، واستقبال بيته الذي جعله إماما للناس وتفريغ القلب لله وإخلاص النية وافتتاحها بكلمة جامعة لمعاني العبودية ، دالة على أصول الثناء وفروعه ، مخرجة من القلب الالتفات إلى ما سواه والإقبال على غيره ، فيقدم بقلبه الوقوف بين يدي عظيم جليل أكبر من كلّ شيء ، وأجلّ من كل شيء ، وأعظم من كل شيء ، بلا سبب في كبريائه السموات وما أظلت ، والأرض وما أقلت ، والعوالم كلها ، عنت له الوجوه ، وخضعت له الرقاب ، وذلّت له الجبابرة ، قاهر فوق عباده ، ناظر إليهم ، عالم بما تكنّ صدورهم ، يسمع كلامهم ، ويرى مكانهم ، لا يخفى عليه خافية من أمرهم ، ثم أخذ في تسبيحه وحمده وذكره تبارك اسمه وتعالى جده وتفرده بالإلهية ، ثم أخذ في الثناء عليه بأفضل ما يثنى عليه به من حمده وذكر ربوبيته للعالم وإحسانه إليهم ورحمته بهم وتمجيده بالملك الأعظم ، في اليوم الذي لا يكون فيه ملك سواه ، حتى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، ويدينهم بأعمالهم ، ثم إفراده بنوعي التوحيد ؛ توحيد ربوبيته استعانة به ، وتوحيد إلهيته عبودية له ، ثم سؤاله أفضل مسئول وأجلّ مطلوب على الإطلاق ، وهو هداية الصراط المستقيم الذي نصبه لأنبيائه ورسله وأتباعهم ، وجعله صراطا موصلا لمن سلكه إليه وإلى جنته ، وأنه صراط من اختصهم