بنعمته ، بأن عرّفهم الحق ، وجعلهم متّبعين له دون صراط أمة الغضب الذين (١) عرفوا الحق ، ولم يتبعوه ، وأهل الضلال الذين ضلوا عن معرفته واتباعه.
فتضمنت تعريف الربّ والطريق الموصل إليه والغاية بعد الوصول ، وتضمنت الثناء والدعاء وأشرف الغايات ، وهي العبودية ، وأقرب الوسائل إليها ، وهي الاستعانة ، مقدما فيها على الوسيلة والمعبود المستعان على الفعل ، إيذانا لاختصاصه ، وأنّ ذلك لا يصلح إلا له سبحانه ، وتضمنت ذكر الإلهية والربوبية والرحمة ، فيثنى عليه ويعبد بإلهيته ، ويخلق ويرزق ويميت ويحيي ويدبر الملك ، ويضل من يستحقّ الإضلال ، ويغضب على من يستحق الغضب بربوبيته وحكمته ، وينعم ويرحم ويجود ويعفو ويغفر ويهدي ويتوب برحمته ، فلله كم في هذه السورة من أنواع المعارف والعلوم والتوحيد وحقائق الإيمان ، ثم يأخذ بعد ذلك في تلاوة ربيع القلوب وشفاء الصدور ونور البصائر وحياة الأرواح ، وهو كلام رب العالمين ، فيحل به ما شاء من روضات مونقات وحدائق معجبات ، زاهية أزهارها مونقة ثمارها ، قد ذلّلت قطوفها تذليلا ، وسهّلت لمتناولها تسهيلا ، فهو يجتني من تلك الثمار خيرا يؤمر به ، وشرا ينهى عنه ، وحكمة وموعظة وتبصرة وتذكرة وعبرة وتقريرا لحقّ ، ودحضا لباطل ، وإزالة لشبهة ، وجوابا عن مسألة ، وإيضاحا لمشكل ، وترغيبا في أسباب فلاح وسعادة ، وتحذيرا من أسباب خسران وشقاوة ، ودعوة إلى هدى وردّ عن ردى ، فتنزل على القلوب نزول الغيث على الأرض التي لا حياة لها بدونه ، ويحل منها محلّ الأرواح من أبدانها.
فأي نعيم وقرة عين ولذة قلب وابتهاج وسرور لا يحصل له في هذه
__________________
(١) تحرفت في المطبوع إلى : «الذي».