المناجاة ، والربّ تعالى يسمع لكلامه جاريا على لسان عبده ، ويقول : حمدني عبدي ، أثنى علي عبدي ، مجّدني عبدي ، ثم يعود إلى تكبير ربّه عزوجل ، فيجد ربه عهد التذكرة كونه أكبر من كلّ شيء بحقّ عبوديته وما ينبغي أن يعامل به ، ثم يرجع جاثيا له ظهره خضوعا لعظمته وتذللا لعزّته واستكانة لجبروته ، مسبّحا له بذكر اسمه العظيم ، فنزّه عظمته عن حال العبد وذله وخضوعه ، وقابل تلك العظمة بهذا الذل والانحناء والخضوع ، قد تطامن وطأطأ رأسه ، وطوى ظهره ، وربّه فوقه يرى خضوعه وذلّه ، ويسمع كلامه ، فهو ركن تعظيم وإجلال كما قال صلىاللهعليهوسلم : «أما الركوع فعظّموا فيه الربّ» (١) ثم عاد إلى حاله من القيام حامدا لربه مثنيا عليه بأكمل محامده وأجمعها وأعمّها ، مثنيا عليه بأنه أهل الثناء والمجد ، معترفا بعبوديته شاهدا بتوحيده وأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ، وأنه لا ينفع أصحاب الجدد والأموال والحظوظ جدودهم عنه ، ولو عظمت.
ثم يعود إلى تكبيره ويخر له ساجدا على أشرف ما فيه ، وهو الوجه ، فيعفّره في التراب ذلا بين يديه ومسكنة وانكسارا ، وقد أخذ كلّ عضو من البدن حظّه من هذا الخضوع حتى أطراف الأنامل ورءوس الأصابع ، وندب له أن يسجد معه ثيابه وشعره ، فلا يكفيه ، وأن لا يكون بعضه محمولا على بعض ، وأن يتأسر التراب بجبهته ، وينال قبل وجهة المصلى ، ويكون رأسه أسفل ما فيه تكميلا للخضوع والتذليل لمن له العزّ كله والعظمة كلها ، وهذا أيسر اليسير من حقه على عبده ، فلو دام كذلك من حين خلق إلى أن يموت لما أدى حقّ ربه عليه ، ثم أمر أن يسبّح ربّه الأعلى ، فيذكر علوّه سبحانه في حال سفوله هو ، وينزهه عن مثل هذه الحال ، وأنّ من هو فوق كل شيء وعال على كل شيء ينزّه عن السّفول بكل معنى ، بل هو الأعلى بكل معنى
__________________
(١) رواه مسلم (٤٧٩) عن عبد الله بن عباس.