بألمه عافية من ألم ، هو أشد من ذلك الألم ، أو تهيئة لقوة وصحة وكمال ، أو عوضا لا نسبة لذلك الألم إليه بوجه ما.
فآلام الدنيا جميعها نسبتها إلى لذات الآخرة وخيراتها أقلّ من نسبة ذرة إلى جبال الدنيا بكثير ، وكذلك لذات الدنيا جميعها بالنسبة إلى آلام الآخرة. والله سبحانه لم يخلق الآلام واللذات سدى ، ولم يقدرهما عبثا. ومن كمال قدرته وحكمته أن جعل كل واحد منهما يثمر الآخر ، هذا ولوازم الخلقة يستحيل ارتفاعها كما يستحيل ارتفاع الفقر والحاجة والنقص عن المخلوق ، فلا يكون المخلوق إلا فقيرا محتاجا ناقص العلم والقدرة ، فلو كان الإنسان وغيره من الحيوان لا يجوع ولا يعطش ولا يتألم في عالم الكون والفساد ، لم يكن حيوانا ، ولكانت هذه الدار دار بقاء ولذة مطلقة كاملة ، والله لم يجعلها كذلك ، وإنما جعلها دارا ممتزجا ألمها بلذتها وسرورها بأحزانها وغمومها وصحتها بسقمها ، حكمة منه بالغة.
فصل
ولما كانت الآلام أدوية للأرواح والأبدان ، كانت كمالا للحيوان ، خصوصا لنوع الإنسان ، فإن فاطره وبارئه إنما أمرضه ليشفيه ، وإنما ابتلاه ليعافيه ، وإنما أماته ليحييه ، فهو سبحانه يسوق الحيوان والإنسان في مراتب كماله طورا بعد طور إلى آخر كماله بأسباب لا بد منها ، وكماله موقوف على تلك الأسباب ، ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع ، كوجود المخلوق بدون الحاجة والفقر والنقص. ولوازم ذلك ، ولوازم تلك اللوازم ، ولكن أكثر النفوس جاهلة بالله وحكمته وعلمه وكماله ، فيفرض أمورا ممتنعة ، ويقدّرها