فالخير هو المقصود بالذات بالقصد الأول ، والشر إنما قصد قصد الوسائل والمبادئ ، لا قصد الغايات والنهايات ، وحينئذ فإذا حصلت الغاية المقصودة بخلقه ، بطل وزال كما تبطل الوسائل عند الانتهاء إلى غاياتها ، كما هو معلوم بالحس والعقل ، وعلى هذا فالعذاب شرّ ، وله غاية تطلب به ، وهو وسيلة إليها ، فإذا حصلت غايته ، كان بمنزلة الطريق الموصلة إلى القصد ، فإذا وصل بها السائر إلى مقصده ، لم يبق لسلوكها فائدة.
وسر المسألة أنّ الرحمة غاية الخلق والأمر لا العذاب ، فالعذاب من مخلوقاته ، وذلك مقتضى أنه خلقه لغاية محمودة ، ولا بد من ظهور أسمائه وأثر صفاته عموما وإطلاقا ، فإنّ هذا هو الكمال ، والرب جل جلاله موصوف بالكمال ، منزه عن النقص. قالوا : وقد قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧)) [هود] وقال : (النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ (١٢٨)) [الأنعام].
قال أبو سعيد الخدري : هذه تقضي على كلّ آية في القرآن ، ذكره البيهقي وحرب وغيرهما.
وقال عبد الله بن مسعود : ليأتينّ على جهنم زمان ، ليس فيها أحد ، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا.
وعن عمر بن الخطاب وأبي هريرة مثله. ذكره جماعة من المصنفين في السنة.
وهذا يقتضي أنّ الدار التي لا يبقى فيها أحد ، هي التي يلبث فيها أهلها أحقابا.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أخبرنا الله بالذي يشاء لأهل