احتجوا عليهم بآخره ، وهو قوله : الله أعلم بما كانوا عاملين.
فبيّن الإمام أحمد وغيره أنه لا حجّة فيه للقدرية ، فإنهم لا يقولون : إن نفس الأبوين خلقا تهويده وتنصيره ، بل هو تهوّد وتنصّر باختياره ، ولكن كان سببا في حصول ذلك بالتعليم والتلقين ، فإذا أضيف إليهما هذا الاعتبار ، فلأن يضاف إلى الله الذي هو خالق كلّ شيء بطريق الأولى ، لأنه سبحانه وإن كان خلقه مولودا على الفطرة سليما ، فقد قدّر عليه ما سيكون بعد ذلك من تغييره ، وعلم ذلك كما في الحديث الصحيح : «إنّ الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا» (١) ولو بلغ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا. فقوله : طبع يوم طبع ، أي : قدر وقضى في الكتاب أنه يكفر ، لا أنّ كفره كان موجودا قبل أن يولد ، ولا في حال ولادته ، فإنه مولود على الفطرة السليمة ، وعلى أنه بعد ذلك يتغير ويكفر. ومن ظنّ أنّ الطبع على قلبه وهو الطبع المذكور على قلب الكفار ، فهو غالط ، فإن ذلك لا يقال فيه : طبع يوم طبع ، إذ كان الطبع على قلبه إنما يوجد بعد كفره.
وقد ثبت في صحيح مسلم (٢) عن عياض بن حمار ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيما يروي عن ربه ، تبارك وتعالى ، أنه قال : «خلقت عبادي حنفاء كلهم ، فاجتالتهم الشياطين ، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا» وهذا صريح في أنه خلقهم على الحنيفية ، وأن الشياطين اجتالتهم بعد ذلك.
وكذلك في حديث الأسود بن سريع الذي رواه أحمد وغيره ، قال : بعث النبي صلىاللهعليهوسلم سرية ، فأفضى بهم القتل إلى الذرية ، فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما
__________________
(١) مر سابقا.
(٢) مسلم (٢٨٦٥).