يقول : إنه خص المؤمن بداعي الإيمان ، ويقول : عند الداعي والقدرة يجب وجود الإيمان ، وهذا في الحقيقة موافق لقول أهل السنة.
قالوا : فأنتم قلتم : إن معرفة الله لا تحصل إلا بالنظر المشروط بالعقل ، ويستحيل أن تكون المعرفة عندكم ضرورة ، أو تكون من فعل الله ، وأما كونكم لا تقولون بآخره ، فهو أنه ينسب فيه التهويد والتنصير إلى الأبوين ، وعندكم أنّ المولود هو الذي أحدث لنفسه التهويد والتنصير دون الأبوين ، والأبوان لا قدرة لهما على ذلك البتة.
وأيضا فقوله : الله أعلم بما كانوا عاملين ، دليل على أنّ الله يعلم ما يصيرون إليه بعد ولادتهم على الفطرة ، هل يبقون عليها ، فيكونون مؤمنين ، أو يغيّرون فيصيرون كفارا. فهو دليل على تقدم العلم الذي ينكره غلاة القدرية ، واتفق السلف على تكفيرهم بإنكاره ، فالذي استدللتم به ، من الحديث ، على قولكم الباطل ، وهو قوله : فأبواه يهودانه وينصرانه ، لا حجة لكم ، بل هو حجة عليكم ، فغير الله لا يقدر على جعل الهدى أو الضلال في قلب أحد ، بل المراد بالحديث دعوة الأبوين إلى ذلك ، وتربيتهما له ، وتربيتهما على ذلك ، مما يفعله المعلّم والمربي ، وخص الأبوين بالذكر على الغالب أنه جعل أبوين وإلا فقد يقع من أحدهما أو من غيرهما.
فصل
قال أبو عمر بن عبد البر : اختلف العلماء في الفطرة المذكورة ، في هذا الحديث ، اختلافا كثيرا ، وكذلك اختلفوا في الأطفال وحكمهم في الدنيا والآخرة ، فسئل عنه ابن المبارك ، فقال : تفسيره آخر الحديث ، وهو قوله :