وأن ذلك كان بمشيئة الله وخلقه ، فهذا حق ترده القدرية ، فغلاتهم ينكرون العلم ، وجميعهم ينكرون عموم خلقه ومشيئته وقدرته ، وإن أرادوا أن هذه المعرفة والنكرة كانت موجودة ، حين أخذ الميثاق ، كما في ظاهر المنقول عن إسحاق ، فهذا يتضمن شيئين : أحدهما أنهم حينئذ كانت المعرفة والإيمان موجودا فيهم ، كما قال ذلك طوائف من السلف ، وهو الذي حكى إسحاق الإجماع عليه.
وفي تفسير الآية نزاع بين الأئمة ، وكذلك في خلق الأرواح قبل الأجساد قولان معروفان ، لكن المقصود هنا أن هذا إن كان حقا ، فهو توكيد لكونهم ولدوا على تلك المعرفة والإقرار ، فهذا لا يخالف ما دلّت عليه الأحاديث من أنه يولد على الملة ، وأن الله خلق خلقه حنفاء ، بل هو مؤيد لذلك ، وأما قول القائل : إنهم في ذلك الإقرار انقسموا إلى مطيع وكافر ، فهذا لم ينقل عن أحد من السلف فيما أعلم إلا عن السّدّيّ في تفسيره ، قال : لما أخرج الله آدم من الجنة ، قبل أن يهبطه من السماء ، مسح صفحة ظهره اليمنى ، فأخرج منه ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ ، كهيئة الذّر ، فقال لهم : ادخلوا الجنة برحمتي ، ومسح صفحة ظهره اليسرى ، فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر ، فقال ادخلوا النار ، ولا أبالي. ذلك قوله : وأصحاب اليمين ، وأصحاب الشمال. ثم أخذ منهم الميثاق ، فقال : ألست بربكم : قالوا بلى. فأعطاه طائفة طائعين وطائفة كارهين ، على وجه التقية ، فقال هو والملائكة : شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين. فليس أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف الله بأنه ربه ، وذلك قوله عزوجل : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً (٨٣)) [آل عمران] وكذلك قوله : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)) [الأنعام] يعني يوم أخذ الميثاق.
قال شيخنا : وقيل : هذا الأثر لا يوثق به ، فإنّ في تفسير السدي أشياء ،