قد عرف بطلان بعضها ، وهو ثقة في نفسه ، وأحسن أحوال هذا وأمثاله أن يكون كالمراسيل ، إن كان مأخوذا عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، فكيف إذا كان مأخوذا عن أهل الكتاب ، ولو لم يكن في هذا إلا معارضة لسائر الآثار التي تتضمن التسوية بين جميع الناس في الإقرار لكفى ، وأما قوله تعالى : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً (٨٣)) [آل عمران] فإنما هو في الإسلام الموجود بعد خلقهم ، لم يقل : إنهم حين العهد الأول ، أسلموا طوعا وكرها ، يدل على ذلك أن ذلك الإقرار الأول جعله الله عليهم حجة على من ينساه ، ولو كان فيهم كاره لقال : لم أقرّ طوعا بل كرها ، فلا يقوم به عليه حجة. وأما احتجاج أحمد بقول أبي هريرة : اقرءوا إن شئتم (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ (٣٠)) [الروم] فهذه الآية فيها قولان :
أحدهما : أن معناها النهي ، كما تقدم عن ابن جرير أنه فسرها ؛ فقال : أي : لا تبدّلوا دين الله الذي فطر عليه عباده. وهذا قول غير واحد من المفسرين ، لم يذكروا غيره.
والثاني : ما قاله إسحاق ، وهو أنها خبر على ظاهرها ، وأنّ خلق الله لا يبدّله أحد ، وظاهر اللفظ خبر ، فلا يجعل نهيا بغير حجة. وهذا أصح.
وحينئذ فيكون المراد : أنّ ما جبلهم عليه من الفطرة لا يبدل ، فلا يجبلون على غير الفطرة ، لا يقع هذا أصلا. والمعنى أن الخلق لا يتبدل ، فيخلقون على غير الفطرة ، ولم يرد بذلك أن الفطرة لا تتغير بعد الخلق ، بل نفس الحديث يبين أنها تتغير ، ولهذا شبهها بالبهيمة التي تولد جمعاء ، ثم تجدع ، ولا تولد بهيمة مخصية ، ولا مجدوعة. وقد قال تعالى عن الشيطان (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ (١١٩)) [النساء] فالله أقدر الخلق على أن يغيروا ما خلقهم عليه بقدرته ومشيئته ، وإنما تبديل الخلق بأن يخلقوا على غير تلك