الفطرة ، فهذا لا يقدر عليه إلا الله ، والله لا يفعله كما قال : لا تبديل لخلق الله ، ولم يقل : لا تغيير ، فإن تبديل الشيء يكون بذهابه وحصول بدله ، ولكن إذا غير بعد وجوده ، لم يكن الخلق الموجود عند الولادة. وأما قول القائل : لا تبديل للخلقة التي جبل عليها بنو آدم كلهم ، من كفر وإيمان ، فإن عنى به ما سبق به القدر من الكفر والإيمان ، لا يقع خلافه ، فهذا حق ، ولكن ذلك لا يقتضي أن تبديل الكفر بالإيمان وبالعكس ممتنع ، ولا أنه غير مقدور ، بل العبد قادر على ما أمره الله به من الإيمان ، وعلى ترك ما نهاه عنه من الكفر ، وعلى أن يبدل حسناته بالسيئات وسيئاته بالحسنات ، كما قال الله : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ (١١)) [النمل]. وهذا التبديل كله بقضاء الله وقدره ، وهذا بخلاف ما فطروا عليه حين الولادة ، فإن ذلك خلق الله الذي لا يقدر على تبديله غيره ، وهو سبحانه لا يبدله ، بخلاف تبديل الكفر بالإيمان وبالعكس ، فإنه يبدله كثيرا ، والعبد قادر على تبديله بإقدار الرب له على ذلك.
ومما يوضح ذلك قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ (٣٠)) [الروم] فهذه فطرة محمودة ، أمر الله بها نبيه ، فكيف تنقسم إلى كفر وإيمان مع أمر الله تعالى بها ، وقد تقدم تفسير السلف : لا تبديل لخلق الله : أي : لدين الله ، أو النهي عن الخصا ونحوه ، ولم يقل أحد منهم : إن المعنى : لا تبديل لأحوال العباد من كفر إلى إيمان وعكسه ، فإن تبديل ذلك موجود ، ومهما وقع كان هو الذي سبق به القدر ، والرب تعالى عالم بما سيكون ، لا يقع خلاف معلومه ، فإذا وقع التبديل ، كان هو الذي علمه.
وأما قوله عن الغلام ، أنه طبع يوم طبع كافرا ، فالمراد به : أنه كتب كذلك ، وقدر وختم ، فهو من طبع الكتاب. ولفظ الطبع لمّا صار يستعمله