كثير من الناس في الطبيعة التي هي بمعنى الخلقة والجبلة ، ظنّ الظانّ أن هذا مراد الحديث ، وهذا الغلام الذي قتله الخضر ليس في القرآن ما يبين أنه كان غير بالغ ولا مكلف ، بل قراءة ابن عباس تدل على أنه كان كافرا في الحال ، وتسميته غلاما لا يمنع أن يكون مكلّفا قريب العهد بالصغر ، ويدل عليه أن موسى لم ينكر قتله لصغره ، بل لكونه زاكيا ولم يقتل نفسا ، لكن يقال : في الحديث الصحيح ما يدلّ على أنه كان غير بالغ ، من وجهين : أحدهما أنه قال : فمر بصبي يلعب مع الصبيان. الثاني : أنه قال : ولو أدرك لأرهق أبويه طغيانا وكفرا ، وهذا دليل على كونه لم يدرك بعد ، فيقال : الكلام على الآية على التقديرين ، فإن كان بالغا ، وقد كفر ، فقد قتل على كفره الواقع بعد البلوغ ، ولا إشكال ، وإن كان غير بالغ ، فلعل تلك الشريعة كان فيها التكليف قبل الاحتلام ، عند قوة عقل الصبيّ وكمال تمييزه ، وإن لم يكن التكليف قبل البلوغ بالشرائع واقعا ، فلا يمتنع وقوعه بالتوحيد ومعرفة الله ، كما قاله طوائف من أهل الكلام والفقه ، من أصحاب أبي حنيفة وأحمد وغيرهم ، وعلى هذا فيمكن أن يكون مكلفا بالإيمان قبل البلوغ ، وإن لم يكن مكلفا بشرائعه.
وكفر الصبي المميز عند أكثر العلماء مؤاخذ به ، فإذا ارتدّ صار مرتدا ، لكن لا يقتل حتى يبلغ ، فالغلام الذي قتله الخضر ، إما أن يكون كافرا بعد البلوغ ، فلا إشكال ، وإما أن يكون غير بالغ ، وهو مكلف في تلك الشريعة ، فلا إشكال أيضا ، وإما أن يكون مكلفا بالتوحيد والمعرفة غير مكلف بالشرائع ، فيجوز قتله في تلك الشريعة ، وإما أن لا يكون مكلفا ، فقتل لئلا يفتن (١) أبويه عن دينهما ، كما يقتل الصبي الكافر في ديننا ، إذا لم يندفع ضرره عن المسلمين إلا بالقتل. وأما قتل صبيّ لم يكفر بعد ، بين أبوين
__________________
(١) في المطبوع : «يفتتن» وهما بمعنى.