مؤمنين ، للعلم بأنه إذا بلغ كفر ، وفتن أبويه ، فقد يقال : ليس في القرآن ولا في السنة ما يدلّ عليه ، وأيضا فإن الله لم يأمر أن يعاقب أحد بما يعلم أنه يكون منه قبل أن يكون منه ، ولا هو سبحانه يعاقب العباد على ما يعلم أنهم سيفعلونه حتى يفعلوه.
وقائل هذا القول يقول : إنه ليس في قصة الخضر شيء من الاطّلاع على الغيب الذي لا يعلمه عموم الناس ، وإنما فيها علمه بأسباب ، لم يكن علم بها موسى ، مثل علمه بأنّ السفينة لمساكين يعملون ، وراءهم ملك ظالم ، وهذا أمر يعلمه غيره. وكذلك كون الجدار كان لغلامين يتيمين ، وأن أباهما كان رجلا صالحا ، وأن تحته كنزا لهما ، مما يمكن أن يعلمه كثير من الناس. وكذلك كفر الصبي مما يمكن أنه كان يعلمه كثير من الناس حتى أبواه ، لكن لحبّهما له لا ينكران عليه ، أو لا يقبل منهما. فإن كان الأمر على ذلك ، فليس في الآية حجة على قولهم أصلا ، وإن ذلك الغلام لم يكفر بعد ، ولكن سبق في العلم أنه إذا بلغ كفر ، فمن يقول هذا ، يقول : إن قتله دفعا لشره ، كما قال نوح : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (٢٧)) [نوح] وعلى هذا فلم يكن قبل قيام الكفر به كافرا. وقراءة ابن عباس : وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين ظاهرة أنه كان حينئذ كافرا.
فإن قيل : فهذا الغلام كان أبواه مؤمنين ، فلو كان مولودا على فطرة الإسلام ، وهو بين أبوين مسلمين ، لكان مسلما تبعا لهما وبحكم الفطرة ، فكيف يقتل والحالة هذه؟.
قيل : إن كان بالغا ، فلا إشكال ، وإن كان مميزا ، وقد كفر ، فيصح كفره وردّته عند كثير من العلماء ، وأن لا يقتل حتى يبلغ عندهم ، فلعل في تلك الشريعة يجوز قتل المميز الكافر ، وإن كان صغيرا غير مميز فيكون قتله