والغايات العظيمة قال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦)) [البقرة] بيّن سبحانه أن ما أمرهم به ، يعلم ما فيه من المصلحة والمنفعة لهم التي اقتضت أن يختاره ويأمرهم به ، وهم قد يكرهونه إما لعدم العلم ، وإما لنفور الطبع. فهذا علمه بما في عواقب أمره مما لا يعلمونه ، وذلك علمه بما في اختياره من خلقه بما لا يعلمونه ، فهذه الآية تضمنت الحض على التزام أمر الله ، وإن شقّ على النفوس ، وعلى الرضا بقضائه ، وإن كرهته النفوس.
وفي حديث الاستخارة : «اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، فاقدره لي ، ويسّره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلمه شرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، فاصرفه عني ، واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم رضّني به» (١).
ولما كان العبد يحتاج ، في فعل ما ينفعه في معاشه ومعاده ، إلى علم ما فيه من المصلحة وقدره عليه وتيسره له ، وليس له من نفسه شيء من ذلك ، بل علمه ممن علّم الإنسان ما لم يعلم ، وقدرته منه ، فإن لم يقدره عليه وإلا فهو عاجز ، وتيسيره منه ، فإن لم ييسره عليه وإلا فهو متعسّر عليه بعد إقداره ، أرشده النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى محض العبودية ، وهو جلب الخيرة من العالم بعواقب الأمور وتفاصيلها وخيرها وشرها ، وطلب
__________________
(١) رواه البخاري (١١٦٢) عن جابر بن عبد الله.