فصل
ومما يناسب هذا قوله تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧)) [الفتح].
بيّن سبحانه حكمة ما كرهوه عام الحديبية ، من صدّ المشركين لهم ، حتى رجعوا ولم يعتمروا ، وبيّن لهم أن مطلوبهم يحصل بعد هذا ، فحصل في العام القابل ؛ وقال سبحانه : فعلم ما لم تعلموا ، فجعل من دون ذلك فتحا قريبا. وهو صلح الحديبية ، وهو أول الفتح المذكور في قوله : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ، فإن بسببه حصل من مصالح الدين والدنيا والنصر وظهور الإسلام وبطلان الكفر ما لم يكونوا يرجونه قبل ذلك ، ودخل الناس بعضهم في بعض ، وتكلم المسلمون بكلمة الإسلام وبراهينه وأدلته جهرة ، لا يخافون ، ودخل في ذلك الوقت في الإسلام قريب ممن دخل فيه إلى ذلك الوقت ، وظهر لكل أحد بغي المشركين وعداوتهم وعنادهم ، وعلم الخاص والعام أن محمدا وأصحابه أولى (١) الحق والهدى ، وأن أعداءهم ليس بأيديهم إلا العدوان والعناد ، فإن البيت الحرام لم يصدّ عنه حاج ولا معتمر من زمن إبراهيم.
فتحققت العرب عناد قريش وعداوتهم ، وكان ذلك داعية لبشر كثير ، إلى الإسلام ، وزاد عناد القوم وطغيانهم ، وذلك من أكبر العون على نفوسهم ،
__________________
(١) الوجه أن تكون (أولو) وتسبق بالضمير (هم).