وزاد صبر المؤمنين واحتمالهم والتزامهم لحكم الله وطاعة رسوله ، وذلك من أعظم أسباب نصرهم ، إلى غير ذلك من الأمور التي علمها الله ، ولم يعلمها الصحابة ، ولهذا سماه فتحا ، وسئل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، أفتح هو؟ قال : نعم.
فصل
ويشبه هذا قول يوسف الصديق (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)) [يوسف] فأخبر أنه يلطف لما يريده ، فيأتي به بطرق خفية لا يعلمها الناس ، واسمه اللطيف يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية ، ومنه التلطف كما قال أهل الكهف (وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩)) [الكهف] فكان ظاهر ما امتحن به يوسف من مفارقة أبيه وإلقائه في السجن وبيعه رقيقا ، ثم مراودة التي هو في بيتها عن نفسه ، وكذبها عليه وسجنه محنا ومصائب ، وباطنها نعما وفتحا ، جعلها الله سببا لسعادته في الدنيا والآخرة.
ومن هذا الباب ما يبتلي به عباده من المصائب ، ويأمرهم به من المكاره وينهاهم عنه من الشهوات ، هي طرق يوصلهم بها إلى سعادتهم في العاجل والآجل ، وقد حفّت الجنة بالمكاره ، وحفّت النار بالشهوات ، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم : «لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته سرّاء شكر ، فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيرا له ،