أمران : الأول : كون الصورة حاصلة في الحيز المعين ، تبعا لحصول محلها فيه. فإذا قلنا اللون حال في الجسم ، فإن معناه أن اللون حصل في ذلك الحيز المعين ، تبعا لحصول ذلك الجسم فيه. والحلول بهذا التفسير إنما يعقل في الشيء الذي يكون حاصلا في الجهة والحيز ، فإذا كان الباري تعالى منزها عن هذه الصفة ، كان إثبات الحلول في حقه محالا. والتفسير الثاني للحلول : كونه مختصا به ، مع كونه محتاجا إليه كقولنا : إن صفة العلم والقدرة حالة في ذات العالم القادر. والحلول بهذا الوجه مفسر باحتياج الصفة إلى الموصوف ، ولما كان الإله تعالى واجب الوجود لذاته ، ممتنع الافتقار إلى الغير ، كان حصول الحلول في حقه بهذا التفسير محالا. وهذا هو المعقول من لفظ الحلول ، وقد ثبت أن ذلك في حق الله تعالى ممتنع. فأما الحلول بتفسير ثالث فهو غير معقول ولا متصور ، فكان الكلام في إثباته ونفيه محالا. فهذا هو الكلام الملخص في هذا الباب.
ثم نقول : إذا جوزتم الحلول على ذات الله ، وجب أن تكونوا شاكين في أنه هل حل في هذه البقة ، وفي هذه النملة ، وفي هذه البعوضة؟ أقصى ما في الباب أن يقال : إنه لم يظهر من هذه النملة حال عظيمة مهيبة ، إلا أنا نقول : هذا إشارة إلى أنه لم يوجد ما يدل على حصول هذا الحلول ، ولا يلزم من عدم علمنا بحصول الدليل ، عدم المدلول. فيثبت : أن من جوّز الحلول لزمه أن يبقى شاكا في كل واحد من هذه الأجسام الخسيسة ، أنه تعالى هل صار حالا فيها أم لا؟ ولما كان ذلك باطلا ، كان القول بالحلول باطلا.