الفصل الثالث
في
إقامة الدلائل على أنه تعالى يمتنع أن يكون جسما
لأهل العالم في هذا الباب قولان : فالجمهور الأعظم منهم اتفقوا على تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الجسمية ، والحصول في الحيز. وقال الباقون : إنه متحيز ، وحاصل في الحيز. وهؤلاء هم المجسمة. ثم القائلون بأنه جسم اختلفوا في أشياء.
فالأول : إنهم في الصورة على قولين. منهم من قال : إنه على صورة الإنسان. ومنهم من لا يقول به. أما الأول فالمنقول عن مشبهة المسلمين : أنه تعالى على صورة إنسان شاب. والمنقول عن مشبهة اليهود (١) : إنه على صورة إنسان شيخ.
__________________
(١) في التوراة أن الله إله واحد. وفي التوراة أن الله ليس كمثله شيء. ففي الأصحاح السادس من سفر التثنية : «اسمع يا إسرائيل. إن الرب إلهنا رب واحد. فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك ، وكررها على بنيك وكلمهم بها إذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وإذا قمت. واعقدها علامة على يدك ، ولتكن عصائب بين عينيك ، واكتبها على عضائد أبواب بيتك وعلى أبوابك» [تثنية ٦ : ٤ ـ ٩ ترجمة اليسوعيين] وفي الأصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية : «لا كفء لله» وفي ترجمة البروتستانت : «ليس مثل الله» [تثنية ٣٣ : ٢٦].
وقال موسى بن ميمون في دلالة الحائرين : إن ما ورد في التوراة مما يوحي بأن الله شبه إنسان بأعضائه وبصفاته. فذلك مؤول على معنى : إن الله يقرب ذاته إلى عقول الخلق ، حديثه عن نفسه كأنه واحد منهم. أما هو فليس مثل انسان وليس كمثله شيء وذلك ليفهم الخلق ذات الله ـ