والأرضين لا يمنعه ذلك من اعتقاد أن السموات إما أن تكون مجانبة للأرضين ، أو مباينا عنها بالجهة ، علمنا : أن هذا الحكم غير معلل بالحدوث.
الوجه الثالث : وهو أن كون هذه السموات والأرضين محدثة ، أمر علم بالدليل. [ووجوب كونها إما مجانية ، وإما مباينة أمر معلوم بالضرورة ، والوصف الذي يعلم بالدليل (١)] يمتنع جعله أصلا للوصف الذين نعلم ثبوته بالضرورة.
فثبت بهذه الوجوه : أن المقتضى لقولنا : إن هذه الأشياء ، إما أن تكون مجانبة ، أو مباينة ، ليس هو الحدوث.
المقدمة الرابعة : إنه لما كان المقتضى لهذا الحكم في الشاهد هو الوجود والباري تعالى موجود ، وكان المقتضى لكونه تعالى إما مجانبا للعالم ، أو مباينا عنه ، حاصلا في حقه ، وجب أن يكون هذا الحكم حاصلا في حق الله تعالى. واعلم أنا نفتقر في تقرير هذه المقدمة إلى بيان أن الموجود حقيقة واحدة في الشاهد وفي الغائب. وهذا غاية ما يمكن ذكره في تقرير هذه الشبهة.
الشبهة السادسة : قالوا : جميع العقلاء مجبولون بأصل الخلقة على اعتقاد أن الله تعالى موجود فوق العالم. فإنا نراهم مع اختلاف أديانهم ، وتباين مذاهبهم ، مجبولين عند الدعاء والخضوع والخشوع على رمي الأبصار إلى جهة فوق ، وعلى رفع الأيدي إلى تلك الجهة ، ولو أن الناس تركوا على أصل الخلقة ، ومقتضى الجبلة الأصلية لم يعتقدوا إلا أن إله العالم موجود في جهة فوق. وإذا كان هذا المعنى مما تشهد به فطرة العقل ، وجب أن يكون القول به حقا.
الشبهة السابعة : إن جميع كتب جميع الأنبياء والرسل عليهمالسلام مملوءة من كونه في جهة فوق. أما القرآن فقد جاء فيه كونه على العرش بصريح اللفظ
__________________
(١) من (و).