الدين الحق لو كان هو التنزيه الذي ذكرتموه ، لكان من الواجب أن يرد في هذه الكتب الإلهية ما يدل على تقرير هذا الأصل العظيم ، وعلى تأكيده بصريح اللفظ ، حتى يصير الحق معلوما ، وحينئذ نصرف بقية الألفاظ إلى التأويل. ولما لم يرد في شيء من الكتب الإلهية البتة ما يدل على التنزيه الذي تذكرونه (١). ورأيناها مملوءة بالألفاظ الدالة على كونه تعالى موجودا في الفوق. علمنا : أن مذهب الأنبياء والرسل ـ عليهمالسلام ـ هو هذا المذهب. وأن الذي تقولونه ، مخالف لأديانهم ومذاهبهم. فهذا تقرير شبهات القوم في هذا الباب.
الشبهة الثامنة : ثبت أنه يجوز رؤية الله تعالى ، والرؤية ممتنعة إلا إذا كان الرائي مقابلا للمرئي ، أو في حكم المقابل له ، وذلك يقتضي كون الإله تعالى في الجهة. والحاصل أن جواز الرؤية مشروط بالمقابلة. ثم قالت المشبهة : ثبت جواز الرؤية فوجب القول بكونه تعالى في الجهة. وقالت المعتزلة : يمتنع كونه تعالى في الجهة ، فوجب أن تمتنع رؤيته [والله أعلم بالصواب (٢)]
__________________
ـ ببالك : أن معتقد التجسيم معذور ، لكونه ربي عليه ، أو لجهله ، وقصور إدراكه. فكذلك ينبغي لك أن تعتقد في عابد الوثن ، لأنه ما يعبد ، إلا لجهل ، أو لتربية على منهج آبائهم الذي بين أيديهم. وإن قلت : إن ظاهر النص يلقيهم في هذه الشبهة ، كذلك فلتعلم : أن عابد الوثن ، إنما دعاه لعبادتها خيالات وتصورات ناقصة. فلا عذر لمن لا يقلد المحققين الناظرين ، إن كان مقصرا عن النظر» أه [ص ٨٥ ـ ٩١ ج ١ دلالة الحائرين ـ تحقيق الأستاذ الدكتور حسين آتاي].
هذا. وقد كتب أستاذ علم مقارنة الأديان العلامة الأستاذ الشيخ رحمت الله بن خليل الرحمن الهندي [١٢٣٣ ـ ١٣٠٨ ه] في كتابه القيم «إظهار الحق» في الجزء الأول ، فصولا عن المحكم والمتشابه في لغة التوراة والإنجيل. وبين أن أهل الكتاب كتبوا : أن «الله» مشى ، ويقصدون من لفظ «الله» لفظ «ملاك» وأن الله تصارع مع يعقوب ويقصدون أن المصارع ليعقوب هو «ملاك» وأن الله مثل إنسان له رأس ويدين ، ومع هذا الذي كتبوه ، الذي يدل ظاهره على أن الله جسم. كتبوا أيضا أن الله ليس كمثله شيء ولا يشبه البشر.
والإمام ابن تيمية يقول في كتابه «الجواب الصحيح» ما معناه : إن الذي أوقع النصارى في القول بالتثليث : ظاهر آيات في الإنجيل تدل على الأب والابن. ويقول لهم : إذا أولتم وتركتم الظاهر. عرفتم الحق.
(١) تذكرونه في إثباتها (و).
(٢) من (و).