مفرقا وهو النار ، وكل جسم أحاط به ثمان مثلثات ، كان سريع الانقلاب من ضلع إلى ضلع وهو الهواء ، وكل جسم أحاط به عشرون مثلثا فهو الماء. وعلى هذا المذهب فهذه الصفات أعني النارية والمائية والهوائية والأرضية عبارة عن حصول هذه الأشكال المخصوصة. ومن الناس من أنكر ذلك. وزعم : أن هذه الكيفيات الأربعة ، أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، أعراض زائدة على هذه الأشكال مغايرة لها. وهذا هو القول الأظهر.
إذا عرفت هذه التفاصيل فنقول : الذين قالوا : المادة الأولى هي الجسم ، وزعموا : أن الأجسام متماثلة في تمام الماهية (١). فهؤلاء لهم قولان :
الأول : أن الأجسام كانت موجودة في الأزل ، وكانت خالية عن جميع الصفات ، ثم إنه حدثت الصفات فيها ، وعلى هذا التقدير فهنا أيضا احتمالان :
أحدهما (٢) : أن يقال : إن الكل كان [جسما (٣)] واحدا متصلا ، ثم إنه انفصل البعض عن البعض فيما لا يزال ، وهذا هو الذي يشعر به قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا : أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ : كانَتا رَتْقاً. فَفَتَقْناهُما) (٤).
وثانيهما (٥) : أن يقال : إن تلك الأجزاء (٦) كانت متباينة متفاصلة ، وعلى هذا التقدير ففيه أيضا احتمالان :
أحدهما : أن يقال : إن تلك الأجزاء كانت متباينة ، وكانت واقفة ساكنة من الأزل إلى الأبد ، ثم إنها تحركت وامتزجت ، وحدث من امتزاجها هذا العالم. وأول التوراة مشعر بهذا ، لأنه قال : «إنما حدث العالم ، لأن ريح الله
__________________
(١) الماهية (ط) الملازمات (ت)
(٢) الأول (ت)
(٣) من (ت)
(٤) الأنبياء ٣٠.
(٥) والثاني (ت)
(٦) الأجرام (ت)